لم تنفع التهديدات المباشرة او بالواسطة التي وجهتها السعودية الى الولايات المتحدة الاميركية من انها ستعمد الى سحب ارصدتها المالية من المصارف الاميركية اذا تم السماح لاهالي الذين سقطوا في اعتداءات 11 ايلول من العام 2001 بملاحقة الرياض قضائياً، في ابعاد شبح هذه الاعتداءات عن المسؤولين السعوديين.
صحيح ان مشروع القانون الذي اتخذه الكونغرس الاميركي منذ ايام قليلة (وحمل عنوان "العدالة ضد رعاة الارهاب") والقاضي بالسماح للاهالي بمقاضاة السعودية اذا ما تبين انها لعبت دوراً في اعتداءات 11 ايلول 2001، لا يزال في بدايته وهو خطوة اولى من خطوات كثيرة يجب ان تقرّ في سبيل اتمام عملية المقاضاة، اذ يجب موافقة مجلس النواب وتوقيع الرئيس الاميركي ايضاً، ولكنه صحيح ايضاً ان الخطوة حملت دلالات سياسية كبيرة.
مسارعة البيت الابيض الى التلميح الى ان الرئيس باراك اوباما قد يستخدم حق الفيتو ضد القرار، لم تخفف من وهج المشكلة الحاصلة بين واشنطن والرياض، كما انها طرحت تساؤلات حول جدية السعودية في الاقدام على تنفيذ التهديد الاقتصادي الذي لوّحت به.
من الوجهة السياسية، بقيت الامور بين البلدين الحليفين على حالها من التوتر، منذ ما قبل التوقيع على الاتفاق النووي مع ايران الذي عارضته السعودية بشدة وحاولت كل ما يمكنها لإبقائه بعيداً عن التنفيذ. وفيما لم تقتنع الرياض بالتطمينات الاميركية للخليج التي تلت الاتفاق مع طهران، وجدت نفسها ايضاً مبعدة عن التفاهم الذي تم بين الولايات المتحدة وموسكو في ما خص الوضع في سوريا، لتسقط اوراقها الواحدة تلو الاخرى.
ولكن هذا القرار تحديداً، من شأنه ارسال رسالة واضحة المعالم الى السعودية مفادها ان تطورات جديدة حصلت في المنطقة، وهي تشي بفرض واقع جديد لا بد للسعوديين من قراءته بتأن، والبدء بعملية التكيّف معه، ولو انه يقلص الادوار الرئيسية التي كانت تحظى بها السعودية في المنطقة بشكل عام. وعلى الرغم من ان الادارة الاميركية "نأت بنفسها" علناً عن هذا القرار، الا انها تعتبره ايضاً ورقة في يدها يمكن التلويح بها عندما تشاء، وتجعل من المهم التفكير اكثر من مرة اذا ما ارادت السعودية الوقوف في وجه السياسة الاميركية مجدداً ولو من باب ابداء رأي مغاير.
لن تصل الامور حتماً الى حد موافقة الرئيس الاميركي الحالي باراك أوباما على القرار، ولكن من الواضح ان الرياض بدأت تدق ناقوس الخطر مع الشعبية التي يحصدها المرشح دونالد ترامب ومسيرته للوصول الى السلطة، لانه اذا ما وصل بالفعل (على عكس التوقعات)، فلن يتردد في التوقيع على القرار، وهو سيشجع كل ما من شأنه ان يضع السعودية في خانة دفع الاموال من اجل الحصول على الدعم الاميركي.
وتجد السعودية نفسها في مشكلة اخرى، وهي عدم قدرتها على الايفاء بالتهديد الذي كانت اطلقته حول ارصدتها في اميركا، لانه، وفق خبراء اقتصاديين، اي خطوة من هذا القبيل ستزيد من هشاشة الوضع الاقتصادي السعودي فالدولار عملة اساسية في السعودية، وضعف الثقة بالرياض سينعكس سلباً عليها من الناحية المالية والاقتصادية وهي التي بدأت في عمليات الاستقراض من اجل التعويض عن انخفاض اسعار النفط بشكل جنوني.
قد يعمد المسؤولون السعوديون الى سحب جزء من الارصدة (في حال توقيع الرئيس الاميركي على القرار)، لكنها لن تكون كافية من اجل الرد على الرسالة السياسية المزلزلة برسالة اقتصادية مدوية، ناهيك عن امكان سماح القضاء الاميركي بتجميد الاموال السعودية في المصارف الاميركية ريثما انتهاء الدعاوى المرفوعة ضد الرياض!
ان تم اقرار مشروع القانون ام لم يقر، من الواضح ان السعودية لم تعد تحظى بالافضلية التي كانت تمتاز بها لدى الاميركيين، ويمكن القول ان الشعبية التي يحظى بها ترامب ترتكز بجزء منها الى مثل هذا الشعور الذي عاد الى الاميركيين بعد مضي 15 عاماً على احداث 11 ايلول.