على الرغم من الطابع العائلي الذي سيطر على الإنتخابات البلدية في قرى وبلدات العرقوب، ذات الأغلبية السنية، لم تنتظر القوى السياسية طويلاً حتى تكشف كامل أوراقها في اللعبة، لا سيما "الجماعة الإسلامية" التي وضعت المعركة في سياق التنافس الحزبي مع قوى الثامن من آذار و"حزب الله"، في حين أن تيار "المستقبل" أعلن، عقب صدور النتائج، دعمه 3 لوائح فائزة، بعد أن كان يُصر على الإبتعاد عن المعارك، تحت عنوان ترك الخيار إلى العائلات.
من هذا المنطلق، ينبغي العودة إلى النتائج التي تحققت في هذه المنطقة، لا سيما بعد أن شهدت سقوط "الجماعة" في معقلها الأساسي، أي في بلدة الهبارية، بالإضافة إلى فشلها في بلدة شبعا، حيث كانت تدعم لائحة تضم القيادي البارز فيها صافي نصيف.
في هذا السياق، تعتبر مصادر سياسية مطلعة من العرقوب، في حديث لـ"النشرة"، أن تعمد "المستقبل" إعلان دعمه اللوائح التي فازت في شبعا وكفرشوبا والهبارية، بعد صدور النتائج، أمر يدعو إلى الإستغراب، لا سيما أن هذا الأمر لا يتطابق مع الوقائع العملية على الأرض، نظراً إلى أنه لم يكن مشاركاً بالمعارك الإنتخابية بشكل مباشر، كما أنه لم يفز بأي بلدة وحيداً، بل على العكس من ذلك يمكن القول أن حضوره تراجع، مقابل تقدم القوى التي تدور في فلك قوى الثامن من آذار، خصوصاً تلك ذات التوجهات "العروبية" و"الناصرية".
في الهبارية، سقطت "الجماعة" في المعركة السياسية الأبرز في العرقوب، حيث كان الإنقسام السياسي واضحاً، في حين فازت اللائحة المدعومة من قوى الثامن من آذار، مع العلم أن "المستقبل" أعلن فوز اللائحة المدعومة من قبله في الهبارية، في مفارقة لافتة، نظراً إلى أن الجميع كان يعلم أن المعركة حزبية وليست عائلية، وبالتالي هو من المفترض به أن يكون إلى جانب "الجماعة" لا العكس، في حين يسجل في البلدة حضور لافت لأمين عام "الديمقراطي اللبناني" وليد بركات.
وتعلق مصادر سياسية من قوى الثامن من آذار على الواقع، عبر "النشرة"، بالقول: "هناك مزاج سني تبدل في المنطقة لجهة الجماعة والمستقبل"، وتشير إلى أن "الجماعة" دخلت إلى العرقوب بقوة في العام 2000، حيث كانت تحصل على دعم كبير من "حزب الله" على كافة المستويات، وتلفت إلى أن الهبارية تعتبر معقلاً أساسياً لها، حيث شيدت مدرسة وسيطرت على المجلس البلدي، في حين لم تنجح في تكرار هذا الواقع في شبعا وكفرشوبا وكفرحمام.
وتعتبر هذه المصادر أن خسارة الجماعة في هذه البلدة تعتبر مدوية، نظراً إلى أن هناك قيادات بارزة فيها من الهبارية، أما بالنسبة إلى الأسباب فهي تبدل المزاج الشعبي في المنطقة، بالإضافة إلى الفشل في إدارة المجلس البلدي، لا سيما بعد نقض الإتفاق الذي كان قائماً في الولاية السابقة لناحية تقاسم الرئاسة مع علي بركات، وتضيف: "لائحة الجماعة كانت بأغلبها من الملتزمين بسبب عدم رغبة العائلات بالتحالف معها"، وترى أن الضربة القاسية لم تكن من الأحزاب في البلدة بل من العائلات.
بالإنتقال إلى بلدة شبعا، فازت لائحة رئيس البلدية محمد صعب، التي أعلن "المستقبل" أنه كان يدعمها، لكنها في الدورة الحالية كانت مدعومة من هيئة "أبناء العرقوب" والنائب قاسم هاشم، في حين هي نجحت في العام 2010 بالفوز، عبر دعمها من تحالف "المستقبل" و"الجماعة"، على عكس ما كان الواقع عليه يوم الأحد الماضي، حيث كانت الجماعة تدعم اللائحة الأخرى.
وتلفت مصادر متابعة لواقع العملية الإنتخابية في البلدة، عبر "النشرة"، إلى أن صعب لا يمكن أن يحسب على أي جهة سياسية، فهو أثبت من خلال تجربته السابقة أنه منفتح على جميع الأفرقاء دون إستثناء، بالإضافة إلى ذلك المعركة كانت عائلية بالدرجة الأولى، لكن "الجماعة" أرادت تحويلها إلى سياسية عبر دعمها لائحة على حساب أخرى بشكل مباشر وعلني، وبالتالي تعتبر خاسرة، خصوصاً أن مرشحها الأبرز صافي نصيف كان نائباً لصعب في المجلس البلدي السابق.
بالنسبة إلى الواقع في بلدة كفرشوبا، ينطبق التوصيف الذي أعطي لصعب في شبعا على رئيس مجلس بلديتها قاسم القادري، الذي لا يمكن القول أنه محسوب على فريق دون الآخر، لا سيما أن المعركة في البلدة كانت عائلية بالدرجة الأولى، بالرغم من أنه كان مدعوماً من "الشيوعي" و"الجماعة" و"المستقبل"، في حين أن اللائحة الأخرى، برئاسة عزت القادري، كانت محسوبة على قوى الثامن من آذار، نظراً إلى أن رئيسها من الوجوه المؤيدة لها، مع العلم أن مصادر هذه القوى تؤكد بأنها لم تكن تخوض معركة بوجه قاسم القادري، بل أن كل التنافس كان عائلياً بالدرجة الأولى.
في كفرحمام المنافسة كانت عائلية بامتياز، وفي الأصل حضور "الجماعة" و"المستقبل" لا يعتبر أساسياً، حيث هناك تنافس مع "الشيوعي" و"القومي" و"حزب الله" و"الناصريين"، والتنافس على المستوى الحزبي كان بين لائحة مدعومة من "الشيوعي" والعائلات وأخرى مدعومة من "القومي" و"حزب الله" والعائلات، حيث فازت اللائحة الثانية مقابل تسجيل خرق يتمثل بنجيب سمور المحسوب على "الشيوعي"، إلا أن اللعبة العائلية قد تقود إلى رئيس محسوب على "الجماعة" هو هيثم سويد لمدة 3 سنوات، على إعتبار أنه من عائلة تعتبر من العائلات الأكبر في البلدة، في حين ستكون من نصيب شخص آخر في السنوات الثلاث الأخرى.
في المحصلة، العمليّة الإنتخابية في العرقوب كانت عائلية بامتياز، في معظم القرى والبلدات، إلا أنها في المقابل أخذت الطابع السياسي على مستوى النتائج، الأمر الذي سيدفع بكافة الأفرقاء إلى مراجعة حساباتهم جيداً.