لا فرق سواء كان اسمه أبو جمال أو أبو ربيع، يقول تيار المستقبل وتقول تجربة العمل السياسي والبلدي الإنمائي لكليهما. الفرق الوحيد أن عدوى «المواطنين والمواطنات» بلغت آخر مدن الشمال بعد الجنوب والبقاع والجبل، فانتبه بعض الشباب إلى أن حلبا مدينتهم ليست مسجلة باسم عائلة أو ريّسين
حتى في حلبا، مركز محافظة عكار، يتهرب تيار المستقبل الممثل بنواب المنطقة السبعة من أي ظهور انتخابي حزبيّ يمكن أن يخدش فقاعة الصابون الحريرية.
فلو كان التيار حزباً كسائر أحزاب العالم لحدد الشخص المناسب للمكان المناسب في كل مدينة وألزم محازبيه والمناصرين بالاقتراع له. هذا ما فعلته مجمل الأحزاب، وحين تأزمت الأمور بسبب ترسبات عائلية، نزعت الأحزاب رايتها عن جميع المحازبين، معلنة حيادها رسمياً وإعطاءها الحرية للناخبين. ورغم تجنب الأحزاب المعارك الكاسرة قدر المستطاع، فإنها لم تهمل أي مركز قضاء، أما المستقبل فـ»لا يريد شيئاً غير السترة»، سواء في مركز محافظة عكار أو في البلدات الأخرى. والواضح، في هذا السياق، أن مقاربة التيار لا تميز بين كفوء وفاشل، أو متحمس وكسول، أو نظيف ومتهم بارتكابات، وهو يعتقد أن إعلان النفير المذهبي وإمساكه بمفاصل الوزارات سيسمحان له عاجلاً أو آجلاً باستقطاب رؤساء المجالس البلدية في مناطق نفوذه أياً كانوا. ولعله محق في هذا الشأن؛ فمن يراجع نتائج انتخابات 2010 يتذكر حجم الضربات الانتخابية التي مُني بها الحريري في المنية والضنية وعكار، لكن لم تحتضن أي مرجعية سياسية انتصار الرياس فاضطروا إلى تقديم فروض الطاعة للأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري أو نواب منطقتهم. وهو ما حصل في حلبا نفسها التي اعتبر فوز سعيد الحلبي (أبو ربيع) ببلديتها هزيمة نكراء لتيار المستقبل. لكن لم تمض بضعة أسابيع حتى بات أبو ربيع يحسب في خانة رؤساء المجالس البلدية الحريريين. وهو بقي كذلك ست سنوات قبل أن يعاد تمثيل معركة 2010 نفسها بين أبو ربيع، مدعوماً من الحزب الشيوعيّ هذه المرة، ورئيس المجلس البلدي السابق عبد الحميد الحلبي (أبو جمال) مدعوماً من النائب المرديّ السابق كريم الراسي.
أبو ربيع وأبو جمال يحتكران المشهد البلديّ في حلبا منذ كانت البلدية تقريباً؛ فعائلة الحلبي أكبر عائلات حلبا وهما قطباها. مرة تقود التحالفات أبو جمال إلى الفوز ومرة أبو ربيع. تتغير المرجعيات السياسية ومراكز القوى والأحزاب وهما ثابتان لا يتغيران.
أبو جمال كان يتقدم صفوف حزب البعث في عكار حتى 14 شباط 2005، حين بات قيادياً مستقبلياً لا يفارق «زرّ» الرئيس رفيق الحريري صدره حتى عند النوم. في الانتخابات الأخيرة خسر أمام أبو ربيع المتحالف يومها مع النائب الراسي، لكن المرديين باتوا معجبين أيضاً بالرئيس الشهيد، وعادوا بالتالي إلى أبو جمال، علماً بأن حجم الراسي وازن في مركز محافظة عكار، ليس وسط الناخبين المسيحيين فقط بل وسط السنّة أيضاً، وهو يرشح أحد سائقيه على لائحة أبو جمال الذي سلب أبو ربيع ثلاثة عناصر قوة: أولاً مموّله الرئيسي الذي يدعى أيضاً عبد الحميد الحلبي ويعرف في حلبا باسم عبدو وهو ابن عم أبو ربيع لكنه اختلف معه لأسباب شخصية. ثانياً مسؤول ماكينة أبو ربيع سابقاً خلدون الحلبي الذي يدير اليوم ماكينة أبو جمال. ثالثاً الناخبين المسيحيين الذين اقترعوا بنسبة تتجاوز 85% لمصلحة أبو ربيع في الانتخابات السابقة، فيما تراجع نفوذه وسطهم اليوم، بحكم تأييد الراسي لخصمه هذه المرة، واستقطاب اللائحة الشبابية لكثيرين، وتأثر آخرين بالشائعة القائلة إنه من المقربين من النائب خالد ضاهر.
أما نقطة ضعف أبو جمال الرئيسية فتتمثل في الصدى السلبيّ لتجربته السابقة في رئاسة البلدية ووجود ملف قضائي قوي بحقه ــ أعدّه المسؤول السابق في حزب العمل الاشتراكي العربي أحمد عارف الرجب الذي توفي قبل نحو أسبوعين ــ بقي في أدراج المحاكم فترة طويلة قبل أن يصدر ادعاء النائب العام المالي بحقه.
وعليه، بعيداً عن إرباك الأسماء، يمكن القول إن لائحة يتشارك تيار المستقبل والمردة في دعمها من تحت الطاولة تواجه لائحة عائلية يدعمها الحزب الشيوعيّ من فوق الطاولة. أما جديد حلبا هذه المرة فهو لائحة ثالثة أولى من نوعها تخرج الاستحقاق من اصطفاف الحلبيين التاريخي. ويشرح أحد المساهمين في مشروع اللائحة الثالثة، برنارد عبيد، كيف ضاق ذرعاً وأصدقاءه من هيمنة أبو ربيع وأبو جمال على المشهد البلدي، ونجاحهم في جمع العميد المتقاعد ابراهيم عياش والحاج محمد الزعبي في لائحة واحدة يطغى فيها الطابع الشبابي ــ الأكاديمي. ورغم قدرات هؤلاء المتواضعة جداً مع قدرات اللائحتين التقليديتين، فقد نجحوا بحسب عبيد في اختراق الاصطفاف، وهم سيعلنون اللائحة اليوم في انتظار أن يكتشفوا ردّ فعل الأهالي على مبادرتهم في صناديق الأحد، علماً بأن النتيجة التي سيحققها هؤلاء كمرحلة أولى ليست مهمة، المهم أن هناك من سئم احتكار عائلات محددة للمشهد البلدي وقرر رفع الصوت.