قطع متعهدو سد جنة أكثر من 50 الف شجرة حتى اليوم، ودمروا ما خلقه الله بحجة إنشاء سد يؤمن للمواطنين مياه الشرب. تخلت فرنسا عن انشاء السدود لتأمين مياه الشفة منذ زمن بعد ان اكتشفت ان "الوحل" يغزو السدود، ولكننا في لبنان نبحث عن "الاسوأ" ونقوم به، حتى ولو حذّرت شركات عالمية من خطورة ما نحاول تنفيذه.
توجهت طالبة تونسية درست في فرنسا الى لبنان عام 2012، لتنخرط ببرنامج تدريبي في المديرية العامة للموارد المائية والكهربائية. يومها اكتشفت تلوثا جرثوميا وكيميائيا يضرب نبع "القشقوش" الذي يغذي الى جانب نبع جعيتا مدينة بيروت، فتم تحويل مياهه الى البحر مباشرة منذ الرابع من تموز 2012، مما أدى الى خسارة 50000 متر مكعب يومي. ان هذا الامر أثار هلع مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، فتم استقدام شركة ألمانية هي "المؤسسة الفيدرالية لعلوم الجيولوجيا والمصادر الطبيعية"، (ألمانيا-BGR) للحرص على منع انتقال التلوث الى نبع جعيتا. ومن ضمن ما قامت به بتكليف من قبل مجلس الإنماء والإعمار ومصلحة مياه بيروت ووزارة الطاقة والمياه هو إجراء دراسات على مياه جعيتا وسد جنّة، ليتبين ان التسريب سيكون 35 بالمئة من مياه النهر قبل السد وسيصبح 52 بالمئة من مياه السد بعد إنشائه، لأنّ نوعية الصخور حسب خبير المياه الجوفية سمير زعاطيطي هي كلسية ولا يمكن لها ان تحبس المياه. ويضيف زعاطيطي في حديث لـ"النشرة": "اضافة الى التسرّب يجب الاشارة الى ان نقل موقع السد من أسفل الوادي الى اعلى الجبل يشكل مخاطر كبيرة، اذ ان الصخور الموجودة جبلا لا تستطيع تحمّل وزن المياه الهائل".
اصرار غير مفهوم
في السياق عينه، استنكر بعض المسؤولين هذا "الرأي العلمي" وأصروا على استكمال الأعمال، وضربوا بعرض الحائط أيضا تقرير تقييم الاثر البيئي الذي قامت به شركة "Gicom". وما حصل مؤخّرًا هو قيام وزير الزراعة أكرم شهيب بتقديم رخصة لإزالة الاشجار، ما استدعى ردا من قبل وزير البيئة محمد المشنوق، طلب فيه وقف الأعمال ورفع الموضوع الى مجلس الوزراء لبحثه.
هنا تسأل مصادر مطّلعة عن سبب تأخر المشنوق بتحويل قضية سدّ جنّة الى مجلس الوزراء مجدّدا بعد ان رفعها في العام الماضي ولم يتم الاستجابة لطلبه، علما ان القانون يلزمه بذلك فور ورود أي اعتراض من قبل ادارة رسمية على مواقف وزارة البيئة حسبما تنص الفقرة الثانية من المادة الرابعة عشرة من المرسوم رقم 8633. وهنا يشير الناشط البيئي رجا نجيم الى ان رئيس الحكومة تمام سلام قد وضع ملف سد جنة على متن جدول اعمال جلسة الخميس في المادة 48 منه تحت عنوان: "عرض وزارة البيئة موضوع وقف الاعمال الجارية في موقع سد جنة على نهر ابراهيم ". ويرى عبر "النشرة" أن "من المفروض ان يعرض سلام قرار وزارة البيئة في ما خص دراسة تقييم الاثر البيئي حيث أن الوزارة قررت منذ تاريخ 31 آب 2015 ايقاف الاعمال نهائيا والغاء المشروع والمباشرة بالاجراءات اللازمة لإعادة تأهيل الاضرار"، مشيرا الى ان وزارة البيئة طلبت منذ شهر ايلول 2015 عرض هذه القضية على الحكومة لاتخاذ القرارات المناسبة دون أن يحصل ذلك.
في هذا الاطار لا بدّ من الاشارة الى ان مجلس الوزراء سيبحث في جلسته غدا ملف سد جنة، على وقع "صوت الشارع" حيث تمت الدعوة لاعتصام سلمي الساعة الثالثة من ظهر اليوم عينه للقول "لا للقضاء على ما تبقى من لبنان الأخضر".
سلبيات السد
يؤكد زعاطيطي أن هدف انشاء السد ونقله من أسفل الوادي الى الاعلى هو "مادي" لا أكثر، مشيرا الى ان ايصال مياه الشرب الى الناس هو امر بسيط يتم عبر حفر آبار في منطقة جنّة حيث تتواجد المياه بكميات ضخمة على عمق 170 مترا فقط، لافتا النظر الى ان كلفة حفر البئر زهيدة للغاية مقارنة بكلفة انشاء السدود. ويعتبر "ان مفاعيل الصورة التي يأخذها السياسي قرب السدّ تكون مختلفة عن تلك المتخذة قرب بئر، لذلك قد يكون هذا الأمر من الاسباب الاساسية لتمسكهم بإنشاء السدود والظهور بمظهر الابطال". وأما عن السلبيات فيتساءل "كيف يكون غمر 1444000 متر مربع من الأراضي الزراعية بمياه السد وإقتلاع الأشجار مفيدا للزراعة؟ وهل سستتوفر مياه الري وهي متوفرة أصلا لأن الأراضي محاذية للنهر، وماذا عن التربة الزراعية؟" ويضيف: "كذلك من سلبيات إنشاء السد ما حصل لسدّ القرعون الشهير، حيث أصبح وبنتيجة التلوث بالمياه المبتذلة التي تصب فيه لاسيما الفوسفات المتوفرة في سوائل الجلي مرتعا خصبا للسيانوبكتيريا الضارة (نوع من الخز المائي-نبات بدائي) التي قضت بإفرازاتها توكسينات مسمّمة على كل الكائنات الحية في البحيرة".
تستغرب المصادر الخاصة بالنشرة "اصرار" البعض على انشاء سدّ جنة رغم كل علامات الاستفهام المرسومة حوله، مشيرة الى ان استمرار اعمال قطع الاشجار وتشويه البيئة قد يؤدي للقول بأن ما وقع قد وقع وبالتالي علينا اكمال العمل كي لا نكون امام خسارة مادية للدولة، مشددة على ان أي خسارة قد تحصل، تبقى أسهل من الخسائر البيئية.
عادة ما تسمى المناطق بما تتميز به، فالسعديات سُمِّيت كذلك تيمنا بعائلة نبات السعديات البحرية، وكفر زبد نسبة للزبد الذي يكسو أرضها، أما "جنة" فسميت كذلك نسبة لجمالها وروعة مناظرها، فكيف يجرؤ الانسان على تخريب "الجنة"؟