بعد خمس عشرة سنة على تفجيرات أيلول 2001، وارتكازاً على ما عُرف بـ"الصفحات المخفية"، أقرّ الكونغرس الأميركي قراراً يسمح لعائلات الضحايا الأميركيين بمقاضاة السعودية، لمسؤوليتها عن تفجيرات أيلول 2001.
هذا القرار يدين السعودية ويهددها على عدة مسارات، وفق الآتي:
1- المسار المالي الذي يمكن أن تصل فيه التعويضات المالية التي ستحكم بها المحاكم الأميركية، ما يوازي الودائع والسندات التي تملكها السعودية في أميركا، ويضع السعودية في موقع الإفلاس المالي، وبالتالي انهيار المنظومة الاقتصادية السعودية، التي يمكن أن تهدم بدورها أركان العائلة المالكة سياسياً.
2- المسار القانوني الذي سيضع السعودية في مركز "الدولة الإرهابية" و"الداعمة للإرهاب"، ويضعها وفق القانون الدولي في دائرة الدول الخارجة عن القانون، ويعرّضها للعقوبات السياسية والاقتصادية والمالية، واتهام المسؤولين فيها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وتضعهم تحت المطاردة القانونية، لمحاكمتهم في المحكمة الجنائية الدولية، أو محكمة خاصة.
لكن هذا القرار من حيث التوقيت والأهداف يطرح عدة أسئلة وفرضيات متعددة، خصوصاً بعد رفض الرئيس الأميركي باراك أوباما تنفيذ هذا القرار، حفظاً لمصالح الولايات المتحدة الأميركية.
والسؤال البديهي: لماذا صمتت أميركا عن المعلومات التي تدين مسؤولين سعوديين طوال 15 عاماً؟ ولماذا كشفت عنها اليوم، أو هددت بكشفها؟ وهل ستكشفها حقيقة أم أنها عملية ترهيب وتهديد للسعودية، لابتزازها سياسياً وتحجيم طموحاتها الإقليمية، بعدما فشلت في كل المهام التي تكفّلت بتنفيذها في اليمن وسورية والعراق، ونجحت جزئياً في فلسطين؛ بالانفتاح على العدو "الإسرائيلي" ولجم السلطة الفلسطينية، وتدجين حركة "حماس"، سواء على مستوى المقاومة، أو على مستوى تحالفها مع محور المقاومة، وانحيازها إلى التحالف التركي - السعودي - القطري؟
لقد جرّبت أميركا سياسية التهديد بـ"عصا المحاكمة" مع الرئيس السوداني، واستطاعت حصد النتائج المبهرة، فقد وافق على تقسيم السودان، وانخرط في السياسة السعودية، ومنع قوافل السلاح إلى غزة، وانحاز إلى "عاصفة الحزم"، وترك العلاقات مع إيران، وما يزال مستعدّاً لدفع الأثمان، للنجاة من سيف المحاكمة.
جرّبت أميركا المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وحصدت بعض النتائج السياسية والمالية في حصار المقاومة، وإن لم تستطع ربح الحصار الكبير برأس المقاومة وسورية، وشنت حربها التكفيرية عليهما، وأبقت على المحكمة الدولية.
يريد الأميركيون أن تبقى السعودية كما كانت؛ تنفذ ما يريده الأميركيون من تمويل للجماعات التكفيرية، ومعاداة الأنظمة الوطنية والمقاومة منذ الرئيس عبد الناصر حتى الآن، والمصالحة مع "إسرائيل"، لكن بشرط عدم "الاجتهاد" السياسي والعسكري في مغامرات أو تهديد بالانتقال إلى أحضان الآخرين؛ بالانفتاح على روسيا أو فرنسا وغيرها دون استشارة أو موافقة الأميركيين، وبشروطهم، والأكثر قساوة عدم التهديد بالودائع السعودية، التي تتعامل معها أميركا على أنها نظرياً أموال سعودية على الورق والسندات، لكنها في الحقيقة هي أموال أميركية؛ لتمويل صفقات السلاح وإحياء مصانع السلاح، أو التجميد، أو التعويضات المالية للضحايا، أو اختراع أسباب أخرى تهدف كلها إلى مصادرة المال السعودي، وقد برهن العدوان على اليمن أن أميركا هي المستفيد الأول بعشرات ـو مئات المليارات من الدولارات.
أميركا ليس لها حلفاء، بل أدوات وعبيد، ودوام علاقتها معهم وفق ما تتأمن مصالحها وأمنها القومي، وهي تستبدل الأنظمة والرؤساء كما تبدّل إطارات سياراتها؛ لا عاطفة ولا مجاملات ولا وفاء ولا اعتراف بالجميل، ومن لا يصدّق فليقرأ ما فعلته بشاه إيران وحسني مبارك وصدام حسين ومعمر القذافي وأمير قطر وزين العابدين، وحتى بالرئيس علي عبد الله صالح في اليمن.. المشكلة أن البعض لا يقرأ، وإن قرأ فهو لا يتّعظ، ويعيش في أحلام اليقظة ولا يريد أن يصدّق ما سيؤول إليه مصيره الأسود، ويبقى يراهن ويقدّم حتى يخسر كل شيء؛ شعبه ووطنه ودينه وأمواله، ويصبح منفياً أو مقتولاً، أو في قفص المحاكمة الدولية.
هل سيستيقظ السعوديون والخليج وبعض العرب فيعودون إلى شعوبهم وأمتهم التي ستحتضنهم وتحميهم، بالرغم من كل ما فعلوه، بدل أن يذلهم ويغتصبهم الأميركي أو يذبحهم بسيوف "داعش" والجماعات التكفيرية التي صنعوها وأطعموها حتى بلغت "سن التوحش".. دمرت البلاد وأهلكت العباد، وها هي بأوامر أميركية تعود للسعودية، بالتزامن مع القرار الأميركي بمقاضاة السعودية والتعويض على الضحايا لوضع السعودية بين فكي كماشة.
هل ستستيقظ السعودية وتنقذ نفسها والأمة؟