فجأة، ودون تقديمات، قرر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو التضحية بوزير دفاعه موشي يعلون واستبداله باليميني المتطرف افيغدور ليبرمان.
وبدا ان نتانياهو وصل الى اقصى رد فعل ممكن لايصال رسالة قوية الى فرنسا واوروبا بشكل عام، ومن خلفهما الولايات المتحدة مفادها انه لن يقبل تحت اي ظرف موضوع المبادرة الفرنسية بعقد مؤتمر دولي لاعادة تفعيل عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وأثبت بما لا يقبل الشك انه مستعد لتقديم تضحيات لم يتجرأ احد على تقديمها، من اجل التمسك بهذا الموقف.
بداية، خرج نتانياهو عن عرف تقليدي يقضي بأن يكون من يتولى حقيبة الدفاع متمرساً في المجال العسكري ويتمتع بخبرة قتالية ليحظى بالتالي بثقة الاسرائيليين الذين تتم تربيتهم منذ الصغر على العقيدة القتالية من اجل بقاء اسرائيل، وينظرون بالتالي الى وزير الدفاع على انه "صمام امان" لهم. وفي حالة ليبرمان، فإن خبرته العسكرية والتقالية اقتصرت فقط على التجنيد الالزامي الذي قام به.
اضافة الى ذلك، فإن ليبرمان لم يولد في اسرائيل، وهو امر آخر ينظر اليه المجتمع الاسرائيلي بنظرة الريبة. فالاسرائيليون يحبون ويحبذون استقدام يهود الشتات ولكنهم لا يزالون يفضلون من ولد في اسرائيل لتولي المناصب الحساسة، كونهم يعتبرون انه عاش ونما في الاجواء الملائمة لمعرفة كل ما يدور في حياة الاسرائيلي اليومية.
خطوة ثانية قام بها نتانياهو يجدر التوقف عندها، وهي انه فضّل شخصاً من حزب آخر غير الليكود (الذي يتزعمه) على احد اعضاء الحزب (موشي يعلون)، كما انه لم يختر اي عضو آخر من الليكود لتولي وزارة الدفاع. وهذا الامر ان دل على شيء، فعلى مدى الشرخ القائم بين نتانياهو والليكود وهو امر غير سليم بالنسبة الى الحزب قد يؤدي الى الاطاحة به وبدوره السياسي او انقسامه الى احزاب اخرى، او على الاقل التقليل من اهميته على غرار ما حصل مع حزب العمل.
وبتفضيله ليبرمان، اظهر رئيس الوزراء الاسرائيلي يعلون والليكود بمظهر "الاعتدال"، لان تطرف ليبرمان ومواقفه التي برزت حين تولى وزارة الخارجية لا تزال ماثلة في الاذهان، وجمّلت مواقف "الليكود" بحيث كاد البعض ان ينسى التطرف القاسي للحزب ولاعضائه، وما قام به يعلون خلال مسيرته الحافلة بالتطرف والتصعيد ضد الفلسطينيين والعرب.
وهذا هو بالتحديد ما اراد نتانياهو ايصاله الى الجميع، ومفاده ان اي ضغط عليه سيجعله يلجأ الى الاكثر تطرفاً، ولن يتردد في الذهاب حتى النهاية من اجل البقاء في السلطة وتنفيذ قراراته. ولكن الرهان الذي يلعبه قد يكون خطيراً عليه، لان الجيش لن يرتاح لتولي اموره من قبل شخص لم يخض جولات قتالية، وقد يكون له رأي مغاير لآراء ليبرمان في اكثر من موضوع ومناسبة. صحيح ان الامور لن تصل الى حد العصيان والتمرد والانقلاب، ولكنها ستترك آثاراً سلبية لدى الجيش الذي يتطلع اليه الاسرائيليون على انه "المنقذ"، وهو الركن الذي طالما اعتمد عليه نتانياهو لكسب الرأي العام، فإذا به يضعه على المحك وقد يخسره.
اما القول بأن وصول ليبرمان الى وزارة الدفاع سيشكل خطراً على استقرار المنطقة، ففيه بعض المبالغة لان اسرائيل، على غرار البقية، لا يمكنها الخروج عن الارادة الدولية وتلتزم بما يتم اقراره من خطوط عريضة مع هامش حرية اوسع للتعرض للفلسطينيين. ولكن اتخاذ ليبرمان او حتى نتانياهو قرارات قد تعرض استقرار المنطقة ككل لخطر، هو امر لن يسمح به المجتمع الدولي ولن يكون قابلاً للنقاش.
وعليه، يكون التحرك الذي يمكن لنتانياهو القيام به ضيق جداً، وينحصر فقط بالجانب الفلسطيني، دون التصعيد على اي جبهة اخرى ومنها حتماً لبنان والجولان... فإلى متى سيدفع الفلسطينيون ضريبة التطرف الاسرائيلي؟