في ظلّ الإنسحاب الأميركي الطوعي من الساحة السورية، في مُقابل التدخّل العسكري لكل من روسيا وإيران فيها، إن بشكل مُباشر(1)أو غير مباشر(2)، طفى سريعًا على السطح التضارب في المصالح والأهداف لكل من موسكو وطهران بالنسبة إلى التورّط في الحرب السوريّة. فما هي أبرز نقاط الخلاف بين الطرفين، وإلى أين يُمكن أن تؤدّي؟
أوًلاً: بالنسبة إلى القتال على الأرض السوريّة، تعتبر روسيا أنّ ما تحقّق حتى تاريخه كافٍ للدخول في مُفاوضات سلميّة للتوصّل إلى إتفاق تسوية، بعد تثبيت نظام الرئيس السوري بشّار الأسد، وإضعاف "المُعارضات" السوريّة وتشتيتها، حيث لا حاجة لتكبّد عناء المزيد من المعارك والغارات المُكلفة بشريًا وماديًا. في المُقابل، تعتبر إيران أنّ المعركة لم تنته، وأنّه من الضروري الإستمرار فيها لمزيد من الوقت بعد، أقلّه لإستعادة مدينة حلب بالكامل، ولإغلاق آخر المنافذ الحدودية بين سوريا وتركيا، منعًا لإستمرار تدفّق المُقاتلين الأجانب إلى جبهات القتال في سوريا، وقطعًا لعمليّات تهريب الأسلحة والعتاد إلى الجماعات المُعارضة.
ثانيًا: بالنسبة إلى مُفاوضات السلام في جنيف وغيرها، تُشدّد روسيا على ضرورة تقديم تنازلات مُتبادلة لإنجاح المحادثات التي تجري على دُفعات برعاية دَوليّة، وهي لا تجد مانعًا في أن يكون مصير الرئيس السوري مدار بحث، وتُشجّع مسألة قيام حكومة وحدة وطنيّة في سوريا، تكون بمثابة هيئة حكم تنفيذيّة، في إنتظار إعادة تكوين السلطة عبر تنظيم إنتخابات عامة بإشراف مراقبين دَوليّين ومن هيئة الأمم المتحدة. في المُقابل، تتمسّك إيران بقيادة الرئيس السوري، وتدعم موقفه المُعارض لأي بحث في ولايته، بحجّة أنّ الأمر يخصّ الشعب السوري دون سواه.
ثالثًا: بالنسبة إلى مُحاولات الأكراد في سوريا فرض أمر واقع جغرافي على أمل الحُصول مُستقبلاً على حكم ذاتي بمعزل عن حكم دمشق المركزي، لا تُعارض روسيا هذا التوجّه، لبل هي تُشجّعه للحُصول على ورقة ضغط بوجه تركيا، علمًا أنّ موسكو جاهزة لتأييد أي خيار يحفظ مصالحها الإستراتيجيّة في مياه البحر الأبيض المتوسّط، حتى لو كان الأمر عبر قيام فدراليّة في سوريا. في المُقابل، تُعارض إيران محاولات الأكراد الإنفصال، خوفًا من تحوّل كامل الأراضي السورية إلى مناطق حكم ذاتي صغيرة وضعيفة وبأبعاد طائفيّة ومذهبيّة وعرقيّة ضيّقة، الأمر الذي يُشكّل تقسيمًا وفرزًا للدولة السوريّة، وهو الهدف الذي لطالما حلمت به إسرائيل، لإضعاف سوريا، ولتبرير قيام دولتها اليهوديّة.
رابعًا: بالنسبة إلى العلاقات مع الدول العربيّة والخليجيّة بالتحديد، تحرص روسيا على الحفاظ على مصالحها في العالم العربي، على الرغم من التباين الكبير مع حُكّام كثير من الدول العربيّة والخليجيّة بالنسبة إلى الأزمة السورية، وهي تُحاول البناء على الضرر المُشترك الناجم من الإرهاب، لإستمرار العلاقات الإقتصادية والتجاريّة وحتى السياسيّة والأمنيّة مع العرب. وترفض موسكو محاولات جرّها لأن تكون طرفًا في الصراع الإيراني – الخليجي الحالي، خاصة ببُعده المذهبي بين الطائفتين الشيعيّة والسنّية. في المُقابل، تعمل إيران على إمساك أوراق أكثر من ملفّ إقليمي حام، وعلى إستغلال التباين الحالي بين روسيا والدول العربيّة، وبين روسيا وتركيا أيضًا، لتوسيع نفوذها الإقليمي في المنطقة.
خامسًا: بالنسبة إلى العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركيّة والعالم الغربي، تُواصل روسيا مساعيها الرامية إلى فك العزلة عنها، وعلى رفع العقوبات بحقّها، عبر إيجاد نقاط توافق مُشتركة مع أميركا والدول الأوروبيّة بالنسبة إلى الملفّ السوري، خاصة وأنّ موسكو نجحت عبر القوّة العسكريّة، في فرض موقعها الطليعي في أيّ مُفاوضات. في المُقابل، وعلى الرغم من حرص طهران على التقيّد بشروط "الإتفاق النووي" مع الغرب للخروج كليًا من عزلتها السابقة، فإنّها تُحاول إخراج تأثير أميركا والدول الأوروبيّة من أيّ إتفاق تسوية خاص بسوريا، حرصًا على مصالحها الإقليميّة التي لا تنسجم بطبيعة الحال، لا مع تطلّعات واشنطن، ولا مع رغبات الأوروبيّين، على الرغم من فتح صفحة جديدة واعدة إقتصاديًا وتجاريًا معهم، وأقلّ توتّرًا من الناحية السياسيّة بين الطرفين أيضًا.
في الختام، صحيح أنّ روسيا وإيران تُحاولان بشكل دائم التخفيف من وقع الخلافات بينهما بشأن الأزمة السورية، وهما يصفانها بالتباينات المحدودة، وصحيح أنّ التدخّل العسكري لكل منهما يُشكّل "نقطة إلتقاء" قويّة، لكنّ الأصحّ أنّه عندما يحين موعد الإتفاقات النهائية للمنطقة، ومنها خاص بسوريا، فإنّ لعبة المصالح الخاصة ستغلب على أيّ إعتبار آخر، حيث سيسعى كل طرف إلى تمرير وجهة نظره، وإلى فرض أولويّة مصالحه الإستراتيجيّة. وعلى خط مواز، لن تتردّد إيران في محاولة تعويض نقص الدعم العسكري الروسي من الجوّ، بدعم عسكري أكبر برًا، وذلك في حال إنهيار الهدنة الهشّة الحاليّة على نطاق واسع. وفي الإنتظار، ستبقى الخلافات الروسيّة – الإيرانية قائمة، ولوّ بعيدًا عن التراشق الإعلامي، علمًا أنّ الدول الخليجيّة تعمل بجهد حاليًا لاسترضاء موسكو مُجدّدًا، مُستغلّة تباين آرائها مع طهران، وذلك لتمرير الوقت على أمل أن يكون للإدارة الأميركيّة الجديدة التي ستنبثق من إنتخابات تشرين الثاني المقبل موقف أكثر حزمًا من إيران وأكثر توازنًا مع روسيا.
(1)عبر تنفيذ الغارات الجويّة والضربات الصاروخيّة وإرسال الخبراء وقوّات قتالية على الأرض.
(2)عبر إرسال وحدات وميليشيات مُقاتلة مُوالية، أو عبر توريد الأسلحة والعتاد.