سؤال وحيد، وأساسي، لم يجب عنه وزير الاتصالات بطرس حرب في مؤتمره الصحافي أمس: لماذا يرفض طرح ملف الاتصالات برمّته، وبكل مشاكله، على طاولة مجلس الوزراء؟ إلا إذا كان يعتبر الحكومة، كما وصفها، «مركزا لتوزيع المغانم... وكل وزير فاتح على حسابه»، وبالتالي، لا ضير من أن يفتح «على حسابه» أيضاً... ولكن خارجها.
ثلاثة ملفات أساسية يمكن حرب أن «يشيلها عن ظهره» ويحمّلها لمجلس الوزراء بما يكفيه «التصدي للحملات الحاقدة والجبانة» ضده، كما وصفها:
الأول، تجديد «العقد الرضائي» بين وزارة الاتصالات وهيئة «أوجيرو»، لـ«أعمال صيانة وتشغيل وتوسعة المنشآت»، والذي سمح للهيئة بقضم صلاحيات مديريات أخرى في الوزارة. صحيح أن وزير الاتصالات دافع عن نفسه أمس بأنه وقّع العقد بعدما أحاله الى ديوان المحاسبة.
ولكن، بعيداً عن الغموض الذي اعترى العقد لجهة غياب أي ذكر للتفاصيل الفنية وعدم إرفاقه بدفاتر شروط تحدد المواصفات، فإن مرسوم إنشاء «أوجيرو» ينص على مادتين واضحتين لا يخفى مضمونهما على محام لامع كحرب. الأولى أن الهيئة مكلفة حصراً «أعمال الصيانة» لا التوسعة، والثانية أن تكليفها القيام بأعمال أخرى يكون «بمرسوم (وزاري)».
وعليه، كان واضحاً مخالفة العقد لهاتين المادتين، حتى قبل إحالته على ديوان المحاسبة. وبدل أن تحيّر موافقة الديوان الوزير المحامي، حيّره، كما قال أمس، تحرك المدعي العام لدى الديوان الذي رأى في العقد «تجاوزاً لحدود السلطة... ومستوجب الإبطال». رغم ذلك، لا يزال العقد «ماشي» و«الشغل ماشي»، بعيداً عن سلطة الحكومة.
الثاني، ملف الانترنت غير الشرعي. الملف الذي «طنطن» به البلد في الشهرين الماضيين، وتولّت لجنة الاتصالات النيابية كشف ملابساته، ملأ الدنيا وشغل الناس... إلا الحكومة التي لم يرَ رئيسها بعد داعياً لطرح الموضوع على طاولتها، ولا يرى وزير الاتصالات، المعني بالملف، ضرورة لذلك. صحيح أن النيابة العامة وضعت يدها على هذه القضية بعدما تقدم الوزير بشكوى جزائية، إلا أن طرح الملف على طاولة مجلس الوزراء إجراء تحتمه خسارة الدولة، بسبب هذا الملف، نحو 60 مليون دولار سنوياً بحسب اعتراف المدير العام لـ «أوجيرو» عبد المنعم يوسف؛ كما تحتمه مسؤولية يوسف الذي رفض لفترة طويلة توسيع سعات الانترنت، مما دفع الشركات الى البحث عن مصادر غير شرعية وحرم الخزينة من أموال طائلة واللبنانيين من خدمة أفضل. وإذا لم يكن من صلاحية الحكومة محاكمة يوسف قضائياً، فإن من واجباتها، على الأقل، محاسبته إدارياً على تقصيره، وتنفيذ الحكم القضائي الذي يمنع جمعه بين وظيفتين على رأس كل من «أوجيرو» والمديرية العامة للاستثمار والصيانة. رغم ذلك، لا يزال يوسف في منصبه بحجة عدم استباق التحقيق.
الثالث، تجديد عقود الخليوي. قبل عام، مدّد مجلس الوزراء لشركتي «تاتش» و«ألفا» المشغّلتين للخليوي حتى آخر 2015، وطلب إجراء مناقصة قبل 31/12/2015. لكن المناقصة الموعودة لم تجر بعدما «لغّمها» حرب في محاولة لاستبعاد شركات لمصلحة شركات أخرى. وبدل العودة الى مجلس الوزراء، كون قرار العقد وتمديده صادرَين عن الحكومة، فضّل اللجوء الى بدعة التمديد الشهري للشركتين المشغلتين من دون تفسير واضح، اللهم إلا ما بدأ يرشح عن «إتاوة» يفرضها على الشركتين في صورة توظيفات ورعايات مالية ــــ سياسية. وهو ما لم ينفه بطرس أمس، عندما اعتبر ان «من الطبيعي» أن يعين الوزير أشخاصاً يعرفهم ويثق بهم، وأن تعيين الموظفين في هيئة مالكي الخليوي (OSB) «يعتمد على الثقة والمعرفة الشخصية» (لا الخبرة؟)، مؤكداً انه «فخور بأن يحظى أبناء قضاء البترون بحقهم بالعمل الشريف والتوظيف»، من دون أن يتطرق الى أسباب وجود صحافيين بين هؤلاء، وماهية الخبرات التي يمتلكها صحافيون في عالم الاتصالات!
في مطالعته الصحافية، أمس، وصف حرب بـ «الكذب» ما ذكر عن تخطّيه الحق الذي تعطيه العقود للوزير باقتطاع 0,1 في المئة من المداخيل لمصلحة هيئة المالكين، «إلا ظرفياً»، مشيراً الى صرفه عام 2015 نحو 5% أقل مما يحق له. فيما تؤكد وثائق حصلت عليها «الأخبار» حصول تجاوز للارقام بمقدار 60 ألف دولار عام 2014 و68 ألف دولار عام 2015 (الصورة مرفقة).
أما بالنسبة الى عمليات الرعاية المالية (3,5 مليون دولار في 2014، 3,6 مليون عام 2015، و1,4 مليون حتى نيسان 2016)، فأكد وزير الاتصالات انه وزّع «الرعاية التي كانت منحصرة ببلدة واحدة على عدة بلدات»، من دون أن يشير الى ما إذا كانت هناك أكثر من «تنورين» واحدة في لبنان. إذ أن جولة سريعة على لائحة «السبونسور» تشير، على سبيل المثال لا الحصر، الى: حصول نادي تنورين لكرة اليد على 300 ألف دولار من الشركتين، مهرجان «تنورين كريسماس» على 70 ألف دولار، مهرجان تنورين على 25 ألف دولار، ومحمية أرز تنورين على 100 الف دولار. وكانت لجارات تنورين حصصها أيضاً من كرم الوزير: نال نادي سبيدبول (شكا) 50 ألف دولار، نادي شكا 25 الفاً، نادي حامات 25 ألفاً، نادي كفرعبيدا 25 ألفاً، مهرجانات البترون 50 ألفاً، مهرجان «نيو بترون» 50 ألفاً، مهرجان جسر المدفون 35 ألفاً، مهرجان دوما 25 ألفاً. ورعى حرب قبل يومين احتفالاً لإقامة كنيسة صغيرة تابعة لمدرسة مار الياس البترون بكلفة 90 ألف دولار... بما يعادل نحو مليون دولار لتنورين وجوارها من أصل 8,5 مليون صرفها حرب على الرعاية... ودائماً من أموال «السبونسور الخليوي». وتجدر الإشارة هنا إلى أن أموال شركتي الخليوي في لبنان هي اموال عائدة للخزينة العامة، إذ إن شركتي «تاتش» و«ألفا» مجرّد مشغّلتين لما تملكه الدولة.
كل ذلك، أدرجه حرب في إطار وضع «حد لعمليات الرعاية العشوائية والسياسية والشخصية»... وهو ما استحق عليه الشكر أثناء مباراة الحكمة والرياضي عندما أضاءت الشاشة الاعلانية بـ:Thank you cheikh Boutros Harb. وهي «ثانك يو» مستحقة بعدما طال كرم الوزير نادي الحكمة بـ 900 ألف دولار من أموال الرعاية الخليوية في السنوات الثلاث الماضية.