يحق للبنانيين أن يعيشوا «عرس الديموقراطية». قد يبدو التعبير كبيراً في المطلق، إلاّ أنه واقعي تماماً قياساً الى ظروف لبنان المعروفة التي تمثّلت في تمديدين للمجلس النيابي، وفي سلسلة تمديدات أمنية وإدارية... ما ترتب عليه نوع من الإحباط واليأس اللذين بلغا ذروتهما مع العجز عن إجراء الإنتخابات الرئاسية حتى اليوم، من هنا جاءت الإنتخابات البلدية والإختيارية لتثبت كم أنّ الناس متعطّشون الى صندوقة الإقراع.
أمّا وقد إنتهت المراحل الأربع على أفضل ما يكون، بات مفروضاً في القيادات السياسية كلها أن تعمل على تمرير الإستحقاقين (الرئاسي والنيابي) في أسرع وقت ممكن لتستقيم الأمور والأوضاع العامة في هذا البلد الذي يعاني (جراء ازمات المنطقة وحروبها) أحوالاً سيئة للغاية إنعكست عليه الى درجة تحوّل معها الى «فاشل» بشهادة رئيس الحكومة في حكومته.
أجريت الإنتخابات في أفضل حال. نقول هذا ونحن قُيض لنا أن نشهد ونعايش دورات إنتخابية نيابية وبلدية...ما يدفع الى الإعتراف بأنّ المراحل الأربع التي إنتهت، أمس، في محافظتي الشمال وعكّار، هي أكثر الإنتخابات صدقية ونزاهة وتعبيراً عن إرادة اللبنانيين. صحيح أن أحاديث جرى تداولها حول عمليات رشى، أو ضربة كف هنا، ولكزة هناك، وتدافع هنالك، وتبادل القذف بالكلمات النابية أحياناً (...) إلاّ أن ذلك لم يكن له أي تأثير، وإن محدوداً، على مسار العملية الإنتخابية أو، بالذات، على النتيجة لا من قريب ولا من بعيد.
فعلاً لقد تنفّس اللبنانيون بعد طول إحتقان. وشعر الفرد والجماعة بأهمية كل منهما، خصوصاً وأنّ بعض المناطق كان الفوز فيها وقفاً على حفنة من الأصوات. وقد لا يكون الإقبال كبيراً في مناطق عدة، ولكن الإقبال على صناديق الإقتراع البلدية والنيابية أيضاً عمره لم يكن كثيفاً... فاللبنانيون ميّالون الى الإسترخاء وهم يؤثرون التمتع بعطلة الأسبوع بدلاً من ممارسة حقهم الإنتخابي.
وفي هذه النقطة بالذات أود أن أذكّر بأنّ دولاً متقدّمة في العالم الأول ترفض إجراء الإنتخابات العامة، مهما كان نوعها، في أيام العطلة، وتجريها في أيام العمل العادية، وليس على حساب ساعات العمل، إنما في فترة إستراحة الغداء، وفي ما بعد إنتهاء الدوام... ولكن ليتم ذلك يفترض إقرار البطاقة الإنتخابية ذات الجدول. نعني بها البطاقة التي تخوّلك التصويت للمرشحين في دائرتك إينما كنت... فقد تكون في بيروت وتقترع في بيروت أيضاً للمرشح الذي تختاره في زغرتا. ولا لزوم للصباغ الأزرق أو الأسود لمعرفة ما إذا كنت قد إقترعت أم لم تقترع... لأنك حيثما تنتخب يسجل صوتك الكترونياً ويستحيل عليك أن تكرر العملية الإنتخابية في مركز إنتخابي آخر.
طبعاً هذا الوضع الذي إعتمدته الدول المتقدّمة منذ نحو نصف قرن يقتضي إعتماد التكنولوجيا كلياً... والدول التي تعتمد هذا الأسلوب تظهر النتيجة فيها فور الإنتهاء من عملية الإقتراع. لأنّ «الأستاذ» كومبيوتر يقوم وحده بما يعجز عنه جيش من الذين «يفرزون» الأصوات عندنا (وعند غيرنا من جماعة العالم الثالث) على طريقة «بندق بو فتيل».