حملت الجولة الرابعة من الإنتخابات البلدية في أقضية الشمال وعكار الكثير من المفاجآت، فعلى مستوى مدينة طرابلس سدّد وزير العدل المستقيل أشرف ريفي هدفاً في مرمى تيار "المستقبل" بإكتساحه للبلدية وفوزه بثمانية عشر مقعداً مقابل ستة لتحالف رئيسي الحكومة السابقين سعد الحريري ونجيب ميقاتي والوزيرين السابقين محمد الصفدي وفيصل كرامي، كذلك حصل في القبيات التي جيّرت أصواتها في اللحظات الأخيرة لصالح تحالف النائب هادي حبيش والنائب السابق مخايل الضاهر. فإلى ماذا تشير هذه النتائج؟!
"ما حصل في طرابلس يعدّ مفاجأة كبيرة يمكن توصيفها بحجم الإنقلاب على تيار "المستقبل". بهذه الكلمات يصف المحلل السياسي جوني منيّر عبر "النشرة" المشهد الطرابلسي، لافتاً الى أن "المستقبل" تلقى ضربة قاسية لا بل قاضية من ريفي والنتائج التي فرزتها صناديق الإقتراع في المدينة تحمل دلالات على الساحة السنيّة ككلّ". كلّ القوى التي دعمت اللائحة المنافسة للائحة التي دعمها ريفي كانت تنتظر حدوث خرق في لائحتها إلا أن النتيجة جاءت معاكسة، من هنا وبحسب منيّر فإن "النتائج تدلّ على أن تيار "المستقبل" دخل مرحلة التفككّ، ولم يعد للسنّة في لبنان زعيم أوحد بل أفرزت واقعاً سنّياً جديداً برؤوس عدّة".
ولكنّ الكاتب والمحلل السياسي طوني عيسى لا يقرأ نتائج الإنتخابات البلدية والاختيارية في طرابلس بنفس الطريقة، حيث يشير الى أن "اللجوء الى خيار ريفي لم يكن هو هدف الناس بل سعوا الى التعبير عن إعتراضهم على النهج المتّبع في المدينة ما دفعهم الى التصويت للائحة التي يدعمها الأخير"، ولكن ورغم ذلك يعتبر أن "هذه النتيجة لها دلالاتها على صعيد تيار "المستقبل" وأن هناك إحباطاً في الجوّ لدى هؤلاء".
وبعيداً عن نتائج طرابلس، حقّقت لائحة "القبيات بتقرر" التي دعمها النائب هادي حبيش والنائب السابق مخايل الضاهر فوزاً في الإنتخابات البلدية. وهنا يرى عيسى أنه "لا يمكن إعتبار ان القوى المسيحية وتحديداً "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبناينة" خسرت في القبيات أو تراجعت شعبيتها لأن طريقة تمثيل القوى المسيحية معقدّة"، ولفت في نفس الوقت الى أنه "في البلدات الصغيرة قد تدعم الأحزاب المسيحيّة إحدى اللوائح ولكن قد يكون هناك مؤيدون لها يصوتون للوائح منافسة لحسابات عائلية، خدماتية، انمائية..."، وأضاف: "إذا أردنا أن نقرأ بالسياسة فيجب أن ننتظر الإنتخابات النيابية فهي وحدها ستفرز الأحجام السياسية".
منيّر لا يوافق عيسى الرأي، إذ يرى أن "الساحة المسيحية لم تعطِ "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" ما تمنياه، والإئتلاف بين هذين الحزبين لم يحصد في القبيّات وعلى مستوى لبنان ما يفوق 45 الى 50% من الساحة المسيحيّة"، مشيراً الى أنّ هذه النسبة كان يحصدها رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون وحيداً في السنوات السابقة". ويلفت الى أن "نتائج الإنتخابات البلدية في مدينة جزين جاءت مشابهة للإنتخابات النيابية التي حصلت في العام 2009، ما يعني أن الإنتخابات البلدية الأخيرة في لبنان كانت سياسية بإمتياز ويمكن البناء عليها للإنتخابات النيابية".
لا شكّ أن نتائج الإنتخابات البلدية في جولاتها الأربع وتحديداً في طرابلس والشمال أفرزت واقعاً جديداً يجب التوقف عنده، ومغزاه أن المواطنين ملوّا الطبقة السياسية الحالية ويريدون الذهاب الى طبقة سياسية جديدة!