حتى الساعة، لا تزال تداعيات نتائج الإنتخابات البلدية في طرابلس هي الشغل الشاغل على المستوى السياسي اللبناني، خصوصاً بعد أن نجح الوزير المستقيل أشرف ريفي وحيداً، في هزيمة لائحة مدعومة من رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي ورئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري، بالإضافة إلى نواب المدينة و"الجماعة الإسلامية" وجمعية "المشاريع" والوزير السابق فيصل كرامي، الأمر الذي شكل صدمة عند أغلب المتابعين، الذين لم يتوقعوا مسبقاً هكذا "زلزال" في عاصمة الشمال، لا سيما أن "الشيخ" لم يتردد لحظة في إبعاد "اللواء" عن تياره السياسي، نتيجة الخلاف في وجهات النظر معه.
بعيداً عن الأبعاد السياسية لهذه المعركة، هناك أزمة كبيرة في "الفيحاء"، متمثلة بسقوط جميع المرشحين الذين ينتمون إلى الطائفة الإسلامية العلوية وإلى الطوائف المسيحية، حيث أفرزت صناديق الإقتراع مجلساً من لون طائفي واحد، الأمر الذي فُسر بأنه ضرب لصورة العيش المشترك في المدينة، دفع البعض إلى الذهاب نحو إعتبار أن خيار "التطرف" هو الذي إنتصر، من دون الإنتباه لحيثيات الواقع الحالي، بالإضافة إلى مراجعة صورة المجلس البلدي السابق، لناحية سقوط العرف فيه منذ العام 2010، حيث لم يصل إلا ممثل واحد، من أصل اثنين، عن العلويين، وآخر عن المسيحيين من أصل 3.
النتيجة الصادمة
في قراءة نتائج العملية الإنتخابية، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم عوض، في حديث لـ"النشرة"، أنه لم يكن متفاجئاً بما حصل، لناحية حصول التشطيب وخرق لائحة "لطرابلس"، لكنه يوضح أن الصدمة في عدد المقاعد التي فازت فيها لائحة "قرار طرابلس"، المدعومة من ريفي، حيث كان يتوقع أن تفوز بثلث المقاعد فقط لا أكثر.
ويعتبر عوض أن ما حصل يعود إلى أن الناخب الطرابلسي عمل على تشكيل لائحته الخاصة، أي أنه لم يكن راغباً بالإلتزام بلائحة معينة، خصوصاً تلك المدعومة من "الكبار"، بسبب المآخذ التي لديه على طريقة تشكيلها، حيث ظهرت المحاصصة بالرغم من محاولات إنكارها، في حين أن المدينة كان لها تجربة مريرة مع هذا الخيار في المجلس البلدي السابق، الذي نسف نتيجة ذلك.
ويرى عوض أن ريفي حقق هذه النتيجة بسبب التعاطف الذي حصل عليه، من الناخب الذي كان يميل لمواقف "المستقبل" التي تنتقد النظام السوري و"حزب الله"، بالإضافة إلى الإمتعاض من طريقة تعاطي الحريري معه، حيث يشدد على أنه تصرف بشكل قاس مع أحد أركان التيار الأساسيين، وكان من المفضّل له إستيعاب ما حصل لا الذهاب إلى المعاقبة والإقصاء.
من جانبه، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي سيمون أبو فاضل، في حديث لـ"النشرة"، أن هذه النتيجة كانت صادمة ولم يكن أحد يتوقعها بهذا الشكل، لناحية نجاح اللائحة المدعومة من وزير العدل المستقيل، لكنه يرى أنها كانت بمثابة ردة فعل على خطاب "المستقبل" المزدوج، في وقت هناك إحتقان مذهبي على مستوى المنطقة والمدينة، حيث كان هناك خلاف مع ميقاتي وعاد إلى التحالف معه، بالإضافة إلى غيرها من الأمور، في حين وجد الناخب أن ريفي ثابت على مواقفه.
ويشير أبو فاضل إلى أن "اللواء" لم يستخدم خطاباً مذهبياً، كما يحاول البعض أن يصوّر، هو كان يتحدث عن سلاح "حزب الله" وتخاذل "المستقبل" عبر تبني ترشيح رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، بالإضافة إلى العلاقة مع حلفاء النظام السوري، ما يعني أنه كان يعكس "وجع الناس" في عاصمة الشمال، بعد الإهمال الذي كان طاغياً، ويضيف: "المستقبل كان يعتقد أن النتيجة في الجيبة لكن تبين العكس تماماً".
ضرب الميثاقية
بالعودة إلى المعضلة الأساس، التي قد يكون لها تداعيات كبيرة في الأيام المقبلة على الواقع في العاصمة الثانية، أي ضرب صورة العيش المشترك، لناحية وصول مجلس بلدي من لون طائفي واحد، يعتبر عوض أن العائلات الطرابلسية التي تصنف "ميسورة" لم تقترع في هذه الإنتخابات، ويشير إلى أن أغلبية الناخبين كانت من الفئات الشعبية والمتوسطة الدخل، ويلفت إلى أن الأخيرة لديها نفور من العلويين، منذ أيام جولات العنف التي شهدتها طرابلس، وعدم ميل نحو إنتخاب المرشح المسيحي، وبالتالي هذا الأمر كان من المفترض التنبه له من قبل المسؤولين عن تشكيل اللوائح.
وفي حين يشدد عوض على أن ليس لديه رؤية لكيفية معالجة هذا الخلل، الذي يصفه بـ"النقطة السوداء في تاريخ المدينة"، يؤكد أن الأمر حصل في المجلس البلدي السابق، وبالتالي الخلل في التوزيع الطائفي ليس بالجديد اليوم، ويضيف: "من الأساس صورة العيش المشترك في طرابلس اهتزت منذ جولات العنف، وبتنا نبحث عن الطرابلسي المسيحي بالسراج والفتيل"، ويدعو إلى تضافر جهود جميع المسؤولين من لإعادة صورة العيش المشترك المعروفة عن طرابلس إلى ما كانت عليه.
بالنسبة إلى أبو فاضل، المسيحيون تعرضوا إلى أكثر من نكسة ولا أحد يسأل عن هذا الأمر، و يوجه سهامه إلى القوى المسيحية الأساسية، لا سيما التيار "الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية"، الذين غابوا عن المعركة الإنتخابية في طرابلس ولم يتابعوا ما يجري فيها، في حين كانوا مشغولين بالهجوم على أفرقاء مسيحيين في عدة قرى وبلدات، كما كان الواقع في القبيات والبترون، ويضيف: "هم لم يدعوا الناخب إلى الإقتراع حتى في حين كان من الضروري القيام بذلك لتحفيزه على المشاركة".
وفي حين يوضح أبو فاضل أن غياب إمكانية المعالجة من الناحية القانونية، يشير إلى أن هذا الخلل على مستوى الشراكة غير مسموح، يشدد على أن الناخب الطرابلسي ليس وحده من يتحمل المسؤولية، ويعتبر أن من الممكن القول أن المسيحيين كانوا ضحية الصراع بين القيادات السياسية في المدينة، سواء كان ذلك عن قصد أو عن غير قصد.
في المحصلة، تعددت الأسباب والنتيجة واحدة، هناك صورة عامة لعاصمة لبنان الثانية تعرضت لنكسة، لناحية وصول مجلس بلدي من لون طائفي واحد، مقابل شعور باقي المكونات الإجتماعية بالغبن من وراء ذلك، لكن لا يبدو أن هناك من قدرة على المعالجة في الوقت الحالي، بانتظار معرفة التداعيات التي قد تنتج عن هذا الواقع الجديد.