لم تكن المعركة التي خاضها اللواء أشرف ريفي بنت ساعتها. جذورها تعود الى العام 2005 وما قبل العام 2005، حين كان ضابطاً في قوى الأمن مقرّباً من الرئيس الشهيد رفيق الحريري. على مدخل منزله لوحة كتب عليها: «أشرف ريفي ضابط في قوى الأمن الداخلي». عندما زاره الرئيس رفيق الحريري وضع يده على كلمة ريفي، ليصبح التعريف: «أشرف ضابط في قوى الأمن الداخلي».هذا المخزون الكبير الذي يعرفه الناس عن ريفي، أُفرغ في صناديق الاقتراع على شكل موجة شعبيّة متماسكة صبّت للائحته البلدية دون تشطيب، فكانت أصوات اللائحة متقاربة جداً، وهذا له مغزى كبير، إذ يشكّل الدلالة على أنّ كتلة ريفي في طرابلس هي الكتلة الأكبر، وهي التي واجهت تحالفاً واسعاً من ثماني قوى سياسية، وفازت.
جذور قوّة ريفي ليست حديثة العهد، فهي تعود الى حقبة ما قبل وما بعد تولّيه قيادة قوى الأمن الداخلي، وخلال تلك الحقبة التي استُهلّت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حصل التأسيس الأول لما يمكن تسميته، مرحلة القرارات السيادية التي تحمل في طياتها الكثير من الشجاعة والتحدّي، وهذا شمل القرار بتوقيف الضباط الأربعة، والقرار بالاستمرار في ملف التحقيق باغتيال الرئيس الحريري، رغم محاولة اغتيال العقيد سمير شحادة واغتيال الرائد وسام عيد، ثمّ القرار بتوقيف ميشال سماحة الذي كان قراراً مشتركاً بين ريفي واللواء الشهيد وسام الحسن، الذي استشهد هو الآخر، وكان استشهاده ضربة معنوية لريفي لم تمنعه من الاستمرار في المهمة.
بعد التقاعد والبدء بممارسة العمل السياسي، بدا أنّ حركة اللواء ريفي، قد بدأت البداية الفعلية، بحكم الظهور أمام الرأي العام، والممارسة العلنية التي لم تكن تتيحها الحياة العسكرية. وفي هذه الممارسة تلقّف الرأي العام وجهاً جديداً آتياً من الحياة العسكرية، لا يتبع الأساليب التقليدية في العمل السياسي.
لا وجود للتورية والعبارات المموّهة في خطابه، لا يعرف الخوف من قول ما يراه حقيقياً، حتى ولو كلف ذلك خسارة من هنا أو هناك، لا يقيم حساباً للربح والخسارة، إلّا بمعيار انسجامه مع أفكاره وما يؤمن به، وقد كلّفه ذلك الكثير لكن أكسبه المزيد وبدت صورته محدّدة وغير خاضعة لأيّ التباس، خصوصاً عندما اتخذ قرارات لم تكن بالحسبان كقرار الاعتراض على بند المقاومة في البيان الوزاري، وقرار الاعتراض على ملف ميشال سماحة، الذي أوصل الى استقالته، والى أزمة مع «تيار المستقبل» أوصلت الى استفتاء طرابلس.
يعود عمر المعركة الفعلية التي خاضها اللواء ريفي في طرابلس الى أسبوع واحد سبق الانتخابات البلدية، أي الى سبعة أيام. كان قراره بخوض المعركة يبدو انتحاراً للبعض، لكنه لم يعبأ، بل كان دائماً على ثقة يقينية بأنه سيفوز بهذه المعركة.
بدأت معركة اللواء ريفي عبر مجموعة من «الجبهات». الأولى كانت حين حدّد السقف السياسي والإنمائي للمعركة، وأطلق على مَن شكّلوا اللائحة المقابلة لقب المتحاصصين، كما صوّب عليهم بما لم يتوقعوا أن يذهب اليه، أي الى «تحالفهم الهجين»، الذي وضع رموزاً تحالفت مع «حزب الله» والنظام السوري مع «تيار المستقبل» في لائحة واحدة.
الجبهة الثانية كانت جبهة الاعلام التي أقفلت في وجه ريفي بشكل شبه كامل، فعمل على خرق الحصار بالاستعانة بسلاح وسائل التواصل الذي اوصل صورته وصوته الى أبعد من طرابلس.
أما الجبهة الاهم التي خاض ريفي معركته الكبرى فيها، فكانت في أحياء طرابلس نفسها، وهو خاض هناك على مدى سبعة أيام اكبر عملية تواصل مباشر مع أهل طرابلس، وكانت ميدان ريفي المحبّب الى قلبه، حيث انتقل في كلّ الأحياء محاطاً بعدد كبير من الطرابلسيين، وهو ما أعطى المؤشر الأبرز، الى هويّة مَن يحتلّ الموقع المتقدّم في قلب طرابلس، وما تُرجم في الصناديق لم يكن مخالفاً للصورة التي شهدتها أحياء طرابلس.
فاز اللواء ريفي بانتخابات طرابلس، وهو فوز أعاد طرابلس الى موقعها الطبيعي كخزّان لمشروع رفيق الحريري، وللمرحلة التي أعقبت اغتياله التي شاركت فيها المدينة بأقصى طاقتها البشرية في كلّ ذكرى من 14 آذار.
أسباب كثيرة ساعدت بهذا الفوز، منها ما هو مرتبط بريفي، بشكل مباشر أو غير مباشر، ومنها ما يعود لتوق المدينة الى أن تثبت هويّتها السياسية، لكن مَن قاد هذه المعركة كان له من المواصفات ما يكفي لإنجاحها، والأبرز منها المواصفات الشخصية لريفي، الذي لا ترى ابتسامته إلّا عندما يكون مُحاطاً بالناس، الذين يتواصلون معه من دون وسيط، ولا حواجز.
كان الفوز مفاجأة للكثير من الناس، إلّا أشرف ريفي كان متأكداً حتى قبل اتخاذه القرار بخوض المعركة بأنه سيفوز. كان يعود بعد كلّ جولة في أحياء طرابلس الى منزله، يحرص في كلّ مرة على أن يمرّ على والدته في الطابق الاول من المبنى حيث يسكن، يقبّل يدها، ويمضي في طريقه.