تواجه خريطة حضور الأقليّات الأصيلَة في البلدان التي تتكلَّمُ لُغة الضّاد وغيرها من المتتلمذة على ضادها، انحسارًا مُستمرًا منذ أَمَدٍ من الزمن. وَمَرَدُّ ذلك، والقول للكاتب الصحفي سعيد شعَيب، إلى" ثقافة متوحّشة تُحارب بكُلِّ قواها المُختلف من ذات الدين" ومن غيره أيضًا، وتمتد هذه الحرب إلى رفض المختلف الذي تتشكَّلُ منه هذه البلدان، لأنه يُثيرُ حساسية ورُهابًا لدى العديد من المعتلين منبر الدّين والمتديّنين وحتّى من السياسيين الذين تربّوا ويُرَبّون، على قاعِدة أنَّ مَن ليس منّا هو بالضرورة عدوّنا، لا بَل عدوّ الله. فعلى عدوّنا إمّا أن يصيرَ مِنّا وإلاّ، "فالجزية والقتال"، والكلام لإمام المسجد الأقصى الشيخ عصام عميرة الذي دعا إلى"قتال غير المسلمين وإخضاعهم في دين الله حتى ولو كانوا مُسالمين"، مبيحًا كل محظور في سبيل دين الله.
والكلام عن الإضطهاد الديني والسياسي للأقليّات المُختلفة، وهو العنوان الأبرز للأحاديث العامّة والخاصّة، صحيحٌ إلى حَدٍ كبير، وإن كان لا يتمظهرُ بالضرورة، بمظهر العنف المُسَلّح، فالمُختلف يُشَكِّلُ عبئًا على "ثقافة" بلاد الضاد، لا بل وتهديداً لها، لكونه عامل تشنُّجٍ وخضخضة للفكر الذي تربّى على النمطيّة والخوف من التنوع والتعددية، الذي لا يَقبل بالتالي، النقد ولا المُساءلة ولا المُصارَحة ولا حتّى المباحثة، ويرتاح لما هو عليه، وللمورثات التاريخية والدينيّة والثقافيّة واللغوية والإجتماعية التي يتّكىء عليها ويتوسّلها شريعة، ولو كانت في مكانٍ ما دخيلة وحاقدة وقاسية وغير إنسانيّة وغير دينيّة وغير عادلة. فمقولة "لا نقبَلُ إلاّ بديننا ديناً" في هذه البلدان، حقٌّ للمنتمين إلى دينٍ مُعيّن، ولكنها لا تَعود كذلك، لا بل وتتحوَّل إلى مَبعثِ قلق وعامل تهديد، عندما تحرم الآخرين من حقّ أن لا يقبلوا، بدورهم، بدينٍ آخر غير دينهم ديناً، فيُضطهدوا ويُكفَّروا في إيمانهم وعقيدتهم، ويُهَدّدوا في حضورهم وحياتهم، ويُحرَموا من حقوقهم.
أمّا في السياسة، فَتُشتَمُّ رائحةُ التواطؤ الخبيث على هذا الحضور الذي لا يقولُ شيئًا لمصالِح الدول الكُبرى، ولا لبُلدان الضّاد التي وعلى ما يبدو، ترتاح للّون الواحد، وذلك على الرغم من ورقة التسامح الديني التي تُلَوِّح بِها بين الحين والآخر وهو تسامح لَم يُؤَدِ الى نتيجة ملموسة لانه بَقيَ محدوداً في نطاق تطبيقه.
إن كان للغالبيّة في بلاد الضّاد دِينٌ، فللأقليّات المكوّنة لهذه البلاد دينٌ أيضاً. ويقتضي الحقّ الطبيعيّ بأن يحترم الجميع أديان بعضهم البعض، وحريّة معتقداتهم. وأن يسعى الجميع إلى لقاء المحبّة في الحقيقة، وهذه الأخيرة ليست ملكاً لأَحد ولا حكراً على أحد، ولا يُمكن لأَحد أن يختزلها في شخصه ولا في دينه، وهي لا تنمو إلا في الحريّة وفي العلاقة مع الآخر الذي يقود الى الله؛ فالله يكشف عن غناه للإنسان من خلال الإنسان وفيه.