تشكّل معركة الفلوجة منعطفاً مفصلياً في مقاومة العراقيين لـ"دواعش" الداخل والخارج، وضربة للمشروع الأميركي - التركي - "الإسرائيلي" الراعي لـ"داعش" وأخواتها، مع تمايز بسيط مع الموقف السعودي المؤيد ظاهراً لتحرير الفلوجة، بسبب القلق السعودي من انتصار "داعش" في العراق وسقوط الحدود السعودية - العراقية بيد "داعش"، وتحوُّل "داعش" إلى جار مقلق وخطر على الداخل السعودي، الذي يعيش في أحضان الفكر "الوهابي - الداعشي" وخلاياه النائمة التي استيقظ بعضها في الطائف والرياض وغيرهما.
لقد صنع الأميركيون من الفلوجة بؤرة حاضنة للتكفيريين والبعثيين العراقيين، بعد تدمير جزء كبير من منازلها ومستشفياتها ومدارسها على أثر الغزو الأميركي، حيث بلغ عدد المنازل المهدَّمة والمصابة أكثر من 9000 وحدة سكنية، وقطعوا الماء والكهرباء عنها مدة ستة أشهر، ومع ذلك لم يتحرك العلماء، خصوصاً من أهل السُّنة والخليجيين، لاستنكار ما تعرّض له أهل الفلوجة وسكتوا وصمّوا آذانهم، لأن القاتل هو السيد الأميركي، بينما يصرخون كذباً ويفبركون القصص عن تجاوزات "الحشد الشعبي" والقوى الأمنية العراقية، وتكذّبها الصور وشهادات أهل الفلوجة.
يحاول البعض تصوير معركة تحرير الفلوجة وكأنها حرب ضد أهل السُّنة في العراق، ونسألهم: هل عاش السُّنة العراقيون في رفاه وسعادة تحت حكم "داعش"؟ الجواب عند عشيرة البونمر "السُّنية"، والتي أعدمت "داعش" 500 شخص من الرجال والنساء والأطفال.. فهل استنكر علماء التكفير وأبواق الفتنة هذه المجزرة؟
لم يعرف العراقيون التفرقة المذهبية، وفي اللحظات المفصلية يتوحّدون سُنّة وشيعة ضد الغزاة والمحتلين، وعندما هاجم "الوهابيون" العتبات المقدسة في النجف وكربلاء عام 1802، أصدر علماء السُّنة في بغداد فتوى بـ"تكفير الوهابيين"، وأعلنوا استعدادهم للدفاع عن العتبات المقدسة مع إخوانهم الشيعة، وعندما غزت "داعش" الموصل والأنبار (السُّنيتين)، أصدر المرجع السيد علي السيستاني فتوى الجهاد الكفائي للدفاع عن العراق وشعبه، بينما لم تصدر أي فتوى عندما قتل التكفيريون مئات الآلاف من الشيعة المدنيين بالسيارات المفخخة وعشائر العراق، التي تضم شيعة وسُنّة، ولا فتنة مذهبية داخلية، وإن حدث بعضها فبرعاية وتخطيط أميركي - صهيوني، وبتمويل وتحريض خليجي وتركي.
إن تحرير الفلوجة من "داعش" يحقق عدة أهداف، أهمها:
1- ترسيخ وحدة العراقيين: عندما يتوحد مقاتلو العشائر و"الحشد الشعبي" تحت قيادة الجيش العراقي والقوى الأمنية، ويُجهضون المخطط التكفير الأميركي لتقسيم العراق.
2- إثبات قدرة العراقيين على هزيمة "داعش" دون مساعدة أميركية مخادعة، والتي امتنعت عن توفير الغطاء الجوي الذي تعهّدت به للحكومة العراقية.
3- تأمين العاصمة بغداد، ولأول مرة منذ الغزو الأميركي، من "الدواعش" والبعثيين، وفتح الطريق لتحرير الموصل والأنبار وبقية المدن العراقية، فـ"داعش" تعيش أواخر عمرها في العراق والمنطقة، والتي بشر الرئيس الأميركي أوباما بأنه يحتاج إلى 30 عاماً للقضاء عليها، ها هم العراقيون يهزمونها بأقل من 3 أعوام.
4- اقتناع العراقيين، خصوصاً أهل السنة، بأن العراق الموحَّد هو حصنهم وليس الكانتونات المذهبية وتكذيب "داعش" ورعاتها وادعاءاتها برفع الحيف والمظلومية عنهم من الشيعة، بعدما ارتكبت المجازر في حقهم، وهدمت مساجدهم كما هدمت مساجد الشيعة، وسبت نساءهم كـ"مرتدين"، وقتلت علماءهم وأرجعتهم إلى العصور المتوحشة بسلوكياتها، وكشفت زيف وانحراف معتقداتهم الدينية التي تكفّر المذاهب الأربعة كما تكفر الشيعة والايزيديين والمسيحيين.
معركة الفلوجة والنصر فيها على "داعش" بداية فجر العراق ووحدته، إن أحسن العراقيون بكل أطيافهم إدارة النصر بدون تشتت وتنازع، وبدون عكس الأولويات والواجبات، فالعراق الذي عانى منذ حرب صدام على إيران، ورزح تحت الحصار بعد غزو الكويت، واستُشهد مئات الآلاف من مواطنيه (سُنة وشيعة) ثم ما لقيه من توحش "داعش" ومجازرها الشاملة، يستحق شعبه أن ينعم بخيراته وبالأمن المفقود منذ حوالي أربعة عقود، وألا يسرقه البعض من ولاة أمره، فيُذبح مرتين؛ واحدة من الغزاة والتكفيريين، وأخرى من ذوي القربي، والتي هي أشد وأظلم.
دعاؤنا للإخوة في العراق بالنصر والوحدة وجهاد النفس ومحاربة الفاسدين، الذين اغتنموا آلام الناس ومعاناتهم، فسرقوا حقوقهم ولم يعطوا النموذج الحسن بعد سقوط النظام وبعد انسحاب الغزاة.