هل باتت لقاءات جنيف بشأن الأزمة السورية معلَّقة حتى إشعار آخر؟
سؤال لم يأتِ أحد بجواب صريح عليه، وإن كانت مؤشراته تدل على ذلك، خصوصاً بعد أن أعلن ما يزعم أنه كبير مفاوضي "معارضة الرياض" محمد علوش، ورئيس الفريق المفاوض أسعد الزعبي، استقالتيهما من مهامهما، وبالمناسبة، لم يعلم أحد ما هو الفرق بين منصبي الإثنين في المفاوضات، ومن هو منهما أعلى شأناً، رغم أن الشخصين ليسا إلا دُميتين حتى لا يصلحان لأن يكونا ظلاً لسيدهما، سواء في الرياض، أو أؤلئك الذين يتحركون في ردهات المفاوضات، ويُرسلون التعليمات إلى أتباعهم داخل القاعة، بواسطة قصاصات الورق الصغيرة، أو عبر "الواتس أب".
هل يعني ذلك أن الأمور في سورية قد تندفع إلى ما هو أشد وأدهى؟
قبل نحو ثلاث سنوات، كانت الأمور تتجه نحو تدخل عسكري أميركي مباشر، ويومها انتشى بائع الكاز العربي الكبير، والتركي والأوروبي، وأتباعهم في الداخلين السوري واللبناني، وبدأ طرح السيناريوهات المختلفة لما بعد تدخُّل "العم سام"، لكن الأسد السوري لم يهتزّ، وأُعيدت إلى الذاكرة الأميركية وقفته في وجه كولن باول بعد غزو العراق عام 2003؛ حينما هدد الأخير بأن الولايات المتحدة أصبحت على حدود الجمهورية العربية السورية، وأن "غزو بغداد سيجعل دمشق تركع".. لكن الأسد السوري كان القائد الوحيد في العالم الذي رفض شروط الاستسلام الأميركي، ومعه بالطبع العماد اللبناني إميل لحود، وعاد باول بخُفيّ حنين حاصداً فشلاً ذريعاً.
ثمة حقيقة ساطعة؛ أن صمود الأسد، ورباطة جأشه، جعلا باراك أوباما يعلن قبيل منتصف الليل، عدم التهور والذهاب إلى التدخل العسكري المباشر، خشية من هزيمة مدوية أمام الأسد، وهو بأي حال ما اعترف به سيد البيت الأبيض في حواره الطويل مع جيفري غولدبرغ، حيث أشار إلى أن التراجع عن الغزو العسكري لسورية وسحب الأسطول الحربي، كانا بعد أن تبيّن لقادة الجيوش الأميركية أنهم لن يقدروا على تدمير الجيش العربي السوري، كما حصل مع الجيش العراقي عام 2003، خصوصاً أن هذا الجيش امتلك من الخبرات القتالية في مواجهة عصابات الإجرام والتكفير، وشركات الأمن والإجرام الأميركي، ما يمكنه من مواجهات طويلة ومستمرة، إضافة إلى استعداد حلفائه للانخراط الواسع في المواجهة مع القوات الأميركية وانهاكها، ما سيجعله في مواجهة أقسى بكثير من فيتنام.
أمام ذلك، كان على الأميركي أن يأتي باحتياطه للدخول مباشرة في الميدان السوري، ومن هنا كانت "داعش" الوليدة الأميركية التي اجتاحت الموصل والفلوجة امتداداً إلى الرقة، ومن ثم أسفرت الرياض عن وجهها، وازاحت قطر عن الواجهة، وبدأت باستضافة المعارضات وتشكيل الوفود المعارضة، مزيحة أنقرة عن هذه المهمة، وفي كل الحالات كان الأميركيون ومازالوا يُطلقون الصفات المخجلة على المفاوضين في هذه المفاوضات، أو الذين يتسلمون رئاسة ما يسمى "المجلس الوطني".
"نعتقد أن ذلك سيأتي بنتائج إيجابية فقط، لأن هؤلاء الأشخاص كانوا يتخذون موقفاً غير بناء على الإطلاق، ولم ينووا الاتفاق على شيء بناء".. هذا الكلام لمساعدة وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف، تعليقاً على استقالة علوش والزعبي.
إنه جانب من الحقيقة التي ستتكشف أكثر وأكثر، خصوصاً أنه على مدى أكثر من سنتين لم يقدم الخبراء العسكريون و"المحللون الاستراتيجيون" كيف يمكن لـ"داعش" صيانة عتاده العسكري من دبابات وآليات وأسلحة ثقيلة، ومن أين له قطع الغيار والذخيرة، وكيف يمكنه استخراج النفط وتسويقه..
بات من نافل القول إن وجود الجماعات التكفيرية في العالم الإسلامي يهدف إلى التفرقة والشرذمة، فتشكيل الجماعات التكفيرية ودعمها وتقويتها هي السلاح الاستعماري الجديد.
لقد بات الدعم السعودي للإرهاب في مختلف مسمياته معروفاً وواضحاً ومثبتاً وعلى كل لسان، حيث أكد الرئيس السابق للمخابرات البريطانية الخارجية MI6 ريتشارد ديرلوف، أن السعودية ساعدت «داعش» في الاستيلاء على شمال العراق وشمال سورية، وهذا الأمر لم يحظَ بتغطية الإعلام البريطاني له. وبحسب ما جاء في محاضرة ألقاها ديرلوف أمام "المعهد الملكي للخدمات"، فإن رئيس الاستخبارات السعودية السابق بندر بن سلطان أبلغه (قبل عملية 11 أيلول الإرهابية في نيويورك) حرفيا بأنه "لن يكون ذلك اليوم بعيداً في الشرق الأوسط حين سيتولى المسلمون" إبادة من سماهم بـ"الكفار".
وقال «ديرلوف» إن اللحظة القاتلة التي توعد بها بندر بن سلطان من سمّاهم "الكفار" في منطقة الشرق الأوسط قد جاءت ليس من خلال عمليات الإبادة الشاملة لهم بواسطة العمليات الانتحارية فقط، حيث سقط منهم أكثر من مليون عربي مسلم بالسيارات المفخخة والعمليات الانتحارية منذ العام 2003 حتى الآن، بل بشكل خاص عندما ساعدت السعودية «داعش» للاستيلاء على شمال العراق (نينوى والموصل)، وعندما أقدمت «داعش» على قتل النساء والأطفال وقتل طلاب الكلية الجوية (قاعدة سبايكر) في 10 حزيران الماضي، ودفنتهم في مقابر جماعية، وعندما ساعدتها على الانتشار في سورية..
إذاً، ثمة حقيقة، وهي أن المفاوضات السورية ستتواصل في الميدان من جهة، وفي ردهات المفاوضات من جهة ثانية، ولا شك أن الميدان وانتصارات سورية وحلفاؤها سيحدد الكثير في المستقبل.