على وقع الهزيمة التي مُنيت بها "اللائحة التوافقية" المدعومة من قوى أساسية في طرابلس في الانتخابات البلدية في طرابلس، وعلى رأس هذه القوى الرئيس نجيب ميقاتي و"تيار المستقبل"، فُتحت أبوات التحليلات السياسية وكثرة الأقاويل وتبادل الاتهامات، تارة بممارسة الفوقية على الطرابلسيين من الأطراف الداعمة للائحة المذكورة، وطوراً بأنها "قائمة البرجوازية"، فقد أطلق عليها بعض المواطنين اسم "لائحة الضم والفرز"، أي الأحياء الحديثة في طرابلس، في إشارة إلى أنها لا تضم ممثلين حقيقيين عن المناطق الشعبية، كباب التبانة، على سبيل المثال لا الحصر، إضافة إلى تقاعس الماكينة الانتخابية التابعة للائحة، ظناً منها بأن الفوز سيكون حليفها حتماً، لاسيما أنها تحظى بتأييد من تيارات متنوعة لها حضورها التاريخي في الفيحاء، كالجماعة الإسلامية، وجمعية المشاريع "الأحباش"، و"تيار الكرامة"، كذلك اتهام بعض "المفاتيح" بعدم صرف الأموال المخصَّصة لحملة الانتخابية، ووضعها في جيوبهم.
لاريب أن هذه الأسباب المذكورة أسهمت في خسارة هذه اللائحة، غير أن السبب الرئيسي والمباشر في هزيمتها هو اقتراع نحو 3000 مواطن لمصلحة القائمة المدعومة من الوزير أشرف ريفي، ما بعد الساعة الخامسة من يوم الأحد الفائت، والذين ظهر بعضهم على وسائل الإعلام مدعين بانهم لم يتقاضوا المبالغ المالية المتفَق عليها مع ماكينة "لائحة ميقاتي - الحريري"، وهذا كان مجرد حُجة لتبرير الإدلاء بأصواتهم لمصلحة ريفي، حسب ما تؤكد مصادر سياسية طرابلسية، وتكشف أن بعض مناصري النائب محمد الصفدي اقترعوا لمصلحة لائحة وزير العدل، بالتنسيق مع أحد الأجهزة الأمنية.
وتشير المصادر إلى أن هناك تقاطعاً مصلحياً بين الصفدي وريفي والجهاز المذكور، فالأول يسعى إلى ضرب ميقاتي في عاصمة الشمال، إفساحاً في المجال أمامه، أي للصفدي، للوصول إلى السرايا الكبيرة، خصوصاً بعد تراجع شعبية "المستقبل"، والثاني يسعى لفرض زعامته على أنقاض الحريرية في المدينة، أما الثالث فلديه مشروع إيصال مرشح للرئاسة الأولى، ويؤكد ذلك ما قاله ريفي غداة فوز لائحته: "عندما يأتي موعد انتخاب رئيس سنبحث عن بروفايل المرحلة، وبالتالي إذا كان المطلوب أن يكون عسكرياً، فأرى العماد جان قهوجي رئيساً".
وما أسهم أيضاً في فوز ريفي، تبنّيه للخطاب المذهبي المنتهج سابقاً من "التيار الأزرق"، إضافة إلى التضعضع الذي يعاني منه الأخير.
وتؤكد المصادر أن الفقر والتهميش والاحتقان المذهبي والمظالم التي يتعرض لها أبناء طرابلس، لاسيما في قضية عدم البتّ بمحاكمة "الموقوفين الإسلاميين"، أسهموا جميعاً بالانتفاضة على القوى التقليدية الموجودة في المدينة، وبالتالي تأييد الحالة التي شكّلها وزير العدل.
وتلفت المصادر إلى أن غالبية أعضاء "قائمة ريفي" ليسوا من المنضوين تحت عباءته، ومنهم عدد من الذين لم يتسنَّ لهم الانضمام للائحة التوافقية، عندها ذهبوا إلى الوزير الطرابلسي.
في المحصلة، أياً تكون الظروف والأسباب، لاشك في أن الوزير أشرف ريفي أثبت حضوره وحجمه التمثيلي في مدينته، وفرض نفسه مجدداً مكوناً أساسياً في الشارع السُّني، بعد خلافه مع الحريري، وهذا الأمر تلقّفته المملكة العربية السعودية، بدليل اتصال التهنئة الذي تلقاه وزير العدل من السفير السعودي.