بعد كل جلسة للجنة الاعلام والاتصالات النيابية التي تحقق في ملف الإنترنت غير الشرعي، وهو الملف الوحيد من بين ملفّات الفساد الذي لم يتمّ بعد وضعه على الرفّ، يزفّ وزير الاتصالات بطرس حرب ومعه ورئيس لجنة الاعلام والاتصالات النيابية حسن فضل الله، بشرى الى اللبنانيين، بعدم لفلفة التحقيقات، وان الامر مهم جدا لترميم الثقة بين المواطن والدولة، التي لم تعد موجودة.
الإعلاميّون الذين كانوا يغطّون هذا الحدث، تذمّروا من اطالة الجلسة، مع تيقّن معظمهم وخلال الأحاديث في ما بينهم، أنّ هذه التحقيقات لن توصل الى معرفة المخالفين الكبار الذين سرقوا عبر هذا القطاع ملايين الدولارات. تحدّث وزير الصحة وائل ابو فاعور عن سرقة 500 مليون دولار، وان الامور ربما تنتهي بمعاقبة بعض الموظفين الصغار، ولن تصل الى الأسماء الكبيرة التي تم تداولها في جلسات النقاش داخل اللجنة، حيث أكد النائب فضل الله ان اسماء من العيار الثقيل تم تناولها على انها متورطة في الفضيحة.
في هذا السياق تطرح مصادر سياسية مجموعة تساؤلات وملاحظات منها:
1-اذا كانت التحقيقات سريّة، كما يؤكد الوزير حرب، والنائب فضل الله، فلماذا لا ترفع هذه السريّة عن مداولات الجلسات التي عقدت حتى الان، خصوصًا بعد ان سمح رئيس المجلس النيابي نبيه برّي برفعها؟
2-لماذا لا يزال وزير الداخلية نهاد المشنوق على موقفه الرافض تلبية دعوات رئيس اللجنة المتكررة للمثول امام النواب، او ارسال مدير عام قوى الامن الداخلي ليشرح كيف ان معدات بهذا الحجم وصلت الى المناطق، وكيف تم تركيبها، مع ان المخافر تكشف اقل المخالفات شأنا واهمية؟ ولماذا تجاهلت دوائر الداخلية طلب القضاء الاستماع الى عدد من الضباط ورأت ان التحقيق الذي أجرته شعبة المعلومات لا يستدعي التحقيق مع اي فرد من افراد قوى الامن الداخلي؟
3-لماذا انتظر وزير الاتصالات كل هذه المدة ليظهر على التلفزيون ويقول ان صاحب محطة الزعرور اتصل به وطلب منه ان ينفي وجود تخابر غير شرعي، ورفض ذلك، وقال انه أقام دعوى على مجهول؟
4-كما ان حرب لم يقل للبنانيين ما اذا كانت هناك شخصيات اخرى وردت أسماؤها على لسان بعض النواب بانها متورطة في فضيحة الإنترنت، قد اتصلت به وطلبت الأمر نفسه.
5-كشفت بعض المعطيات ان موظفا في اوجيرو كان قد تصرف بالمعدات التي تم تفكيكها في محطة الباروك عام 2009، وعندما انكشف أمره حكم بالسجن لمدة عامين، وأعيد الى الوظيفة نفسها في "اوجيرو"، فور اخلاء سبيله، وهذا الامر أكده وزير الاتصالات امام النواب.
فإذا كان وزير الاتصالات يعتقد ان مثل هذا الموظف الذي صدر بحقه حكم قضائي ودخل السجن، أعيد الى وظيفته، وكأن سنوات السجن كانت دورة تدريبية، وبمعرفة مدير اوجيرو عبدالمنعم يوسف، نكون أمام "لفلفة" موصوفة، قبل انتهاء التحقيقات. كما ان المنطق يقول بكفّ يد هذا المدير، او نقله الى وظيفة اخرى، كي يرتاح الرأي العام الى انه سيعرف يوما، من هم لصوص الهيكل في هذا القطاع.
ولفتت المصادر الى ان تقرير الجيش، واعترافات موقوفين في الملف، ان اوجيرو تلزم شركات توزيع الإنترنت المرخص لها بتركيب معدات تحتوي على قطع من صنع إسرائيلي، وثمة تسجيلات صوتية بين احد المديرين في اوجيرو "وهو من بين الموظفين الثلاثة الذين أعطى وزير الاتصالات الإذن بملاحقتهم"، وبين مسؤولين في شركات الإنترنت باتت في عهدة الاجهزة الأمنية والقضاء، وفيها يطلب هذا المدير منهم صراحة شراء نوع محدد من المعدّات بأسعار تفوق السعر الحقيقي بأكثر من خمسة اضعاف، تحت طائلة عرقلة عمل الشركة.
وتبدي المصادر خشية من ان اطالة التحقيقات، وعدم تجاوب وزارة الداخلية، وغياب إجراءات ضرورية كان يجب ان تتخذ، قد تجعل هذا الملف يتداخل مع الاستحقاق النيابي، او الاستحقاق الرئاسي، بحيث تستغل الفرصة لكي يوضع على الرفّ كغيره من ملفّات الفساد، وان تصبح اللفلفة ضرورية وواقعا محتومًا الى ان يحل عهد جديد رئاسيا ونيابيا وحكوميا، عندها ربما يقع اللبنانيون على طريقة فاعلة لكبح الفساد ومحاسبة الفاسدين والمفسدين، وهم كثر.