فجّر وزير الداخلية نهاد المشنوق قنبلته الشهيرة منذ ايام، وبات بنظر البعض "الارهابي" الاول، وبنظر البعض الآخر "المنقذ" الاول لتيار المستقبل ورئيسه النائب سعد الحريري.
وعلى الرغم من مرور وقت على كلام المشنوق، لم يلق حتى الساعة اي رد فعل من الحريري الذي لم يبارك ولم يعرب عن استيائه مما قاله وزير الداخلية "المحسوب عليه"، فيما اطلق السفير السعودي لدى لبنان علي عواض العسيري موقفاً عاماً متوقعاً لاي سفير، على غرار ما قاله السفير البريطاني لدى لبنان، ويصب في خانة العموميات حول نفي اي تدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية...
من يقول انه يعلم سبب كلام المشنوق، هو اما مدّعٍ ويحب التبجح، او مضلّل (بفتح اللام) ومضلّل (بكسر اللام)، أو عليه تقديم ما يملك من معطيات ليقنع من يستمع اليه بشكل واقعي. هذا باختصار ما يدور في اروقة الصالونات السياسية، نظراً الى ان المشنوق معروف عنه عدم الاستخفاف بكلامه، وهو يملك اسلوبا صحافيا محترماً اي انه يدرس عباراته وينتقيها جيداً، ونادراً جداً ما يقع في زلة لسان او ردة فعل عابرة حين يتطرق الى مواضيع حساسة، كما ان علاقته مع اكثر من دولة خلال مرافقته رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري جعلته اكثر اختياراً لكلامه، وهو ابقى على هذه العلاقات حتى اليوم.
لذلك، لا يمكن الجزم بالهدف الذي سعى المشنوق اليه من خلال كلامه، فالوقت وحده الكفيل في كشفه، انما يمكن في المقابل اضافة بعض التكهنات حول مغزى الكلام، انطلاقاً من المعطيات والتطورات السياسية التي سجلت في الآونة الاخيرة.
من البديهي القول ان المشنوق "وفي" للحريري، وان الغرض من كلامه يأتي في سياق الدفاع عن رئيس تيار المستقبل، خصوصاً في ظل "الهجمة" الشرسة عليه التي بلغت اوجها بعد فوز وزير العدل المستقيل اشرف ريفي في الانتخابات البلدية في طرابلس. كما انه في الوقت عينه، لا يمكن للمشنوق ان يفرّط بعلاقته مع السعودية والدول العربية الاخرى دون اي سبب يدفعه لمثل هذه الخسارة السياسية. وبالتالي، فإنه من المنطقي القول ان كلام وزير الداخلية يحمل في طيّاته عمق الخلاف المستشري بين التيارين في السعودية: تيار الحرس القديم، وتيار التجديد.
ويبدو ان المشنوق اختار ان يراهن على التيار الثاني، فعمد الى ضرب سياسة التيار الاول وتحميله اسباب السياسة المتناقضة التي اعتمدت سابقاً، والزمت الحريري بالتالي الذهاب الى سوريا، اي بمعنى آخر، اراد المشنوق ان يبرئ الحريري من سياسة تبرئة سوريا في ملف اغتيال والده ومد اليد اليها.
كما اراد في المقابل، الرد على ريفي الذي يردد في كل مناسبة ان تبني الحريري ترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية هو خطأ لا يغتفر، وهو دخل من خلال هذا القول الى عقول وافكار شريحة كبيرة من السنّة في طرابلس. وما قاله وزير الداخلية بكلام اكثر تبسيطا هو ان مسؤولين في السعودية هم الذين تبنوا ترشيح فرنجية ولم يكن الحريري يقوى على الرفض، فسار وفق هذه الرغبة، ليتبين في ما بعد ان هذا الامر لا يحظى بموافقة سعودية شاملة.
والاهم من كل ذلك، ان السفير العسيري لم يكن بعيداً عن شظايا "القنبلة الانشطارية المشنوقية"، فشظاياها اصابته في خطوة اعتبر الكثيرون انها رسالة غير بريئة الى السفير الذي يبدو ايضاً انه اخذ طرفاً في الصراع السعودي القائم، ففضل تياراً على آخر، وعليه بالتالي إعادة حساباته ودرس خياراته، وانه قد يكون الوقت قد حان لتغييره خصوصاً وانه من "الممدد" لهم.
ولكن، بغض النظر عن صحة هذه الطروحات او عدم صحتها، يبقى السؤال الاكبر عن المصلحة في اظهار الحريري وكأنه شخص لا رأي له ويتحرك برغبة سعودية. هنا، يرى البعض ان المشنوق اراد اظهار ان الحريري يعاني من ازمة حقيقية غير خافية على احد، وهي ازمة اقتصادية وان السعودية تمسك بقراره انطلاقاً من هذه الازمة، كما رأى هؤلاء انه بعد هذا الكلام، قد تكون هناك مبادرة ما من شأنها تخفيف الازمة المالية لرئيس المستقبل، والتأكيد من خلالها ان السعودية لم تقطع خيوط الحريري بشكل كامل، وان دوره في لبنان لم ينته بعد.
وبين هذا وذاك، صحيح ان "قنبلة" المشنوق لا تشبه بشيء "قنبلة" ريفي التي فجّرها باعلان انفصاله عن الحريري سابقاً، نظراً الى الاختلاف بين الرجلين واسلوبهما، ولكن من المؤكد في المقابل، ان الايام المقبلة ستحمل تطورات قد تشكل مفاجأة، او على الاقل، قد تساهم في ان تخرج الى العلن انقسام الرأي في السعودية.