تتعرّض مواقع ميليشيات تنظيم "داعش" الإرهابي في مُحافظة الرقّة السوريّة منذ أيّام عدّة لهجمات عنيفة يُنفّذها كل من الجيش السوري وتتركّز في ريف الرقّة الغربي، و"قوّات سوريا الديمقراطيّة" وتتركّز في ريف الرقّة الشمالي. فهل يُوجد تنسيق روسي – أميركي في هذا الهُجوم، أم مُجرّد إلتقاء مصالح؟ وهل سيُقاتل الجيش السوري مع فصائل "المُعارضة" المنضوية ضمن "قوات سوريا الديمقراطية"، أم أنهما سيتواجهان ميدانيًا بمجرّد تجاوز خطوط "داعش" والإلتقاء ميدانيًا في بُقعة جغرافية واحدة؟
بداية، لا بُد من التذكير أنّ الجيش السوري كان حاول في هجوم واسع نفّذه في شباط الماضي بغطاء جوّي روسي كثيف الشروع في إستعادة مُحافظة الرقّة من تنظيم "داعش"، لكنّه فشل في ذلك. واليوم يأتي الهُجوم الكبير الجديد للجيش السوري في المُحافظة التي كانت قد سقطت كليًا بيد التنظيم الإرهابي المُتطرّف في آب 2014 (1)، لأهداف مختلفة تمامًا عن الهجوم السابق. فالمُحاولة السابقة كانت تندرج ضمن إطار إستكمال العمليّات العسكريّة المدعومة من الطيران الروسي، لإستعادة أكبر قدر مُمكن من الأراضي السوريّة، ولإظهار جدّية روسيّة – سوريّة في ضرب "داعش" ردًا على التهم المُوجّهة إليهما بحصر الهجمات بقوى المُعارضة السورية من دون مُقاتلة منبع الإرهاب في سوريا، بينما الهجوم السوري الحالي في محافظة الرقّة يهدف إلى قطع الطريق على إتمام تنفيذ الخطّة الأميركيّة لهذه المُحافظة. إشارة إلى أنّ "قوّات سوريا الديمقراطيّة" هي مجموعة عسكريّة تمّ تشكيلها برعاية أميركيّة في تشرين الأوّل 2015 (2)، وهي تعمل حاليًا على تنفيذ خطة أميركيّة متعدّدة الأهداف، أبرزها:
أوّلاً: ضرب نُفوذ تنظيم "داعش" في محافظة الرقّة التي تعتبر بمثابة مقرّه الأساسي، وملاقاة الهجمات الحاصلة على مواقع التنظيم في العراق حاليًا، لا سيّما في الفلوجة، وقطع خُطوط إمداد التنظيم الإرهابي مع الحدود العراقيّة أوّلاً، ثم مع الحدود التركيّة ثانيًا.
ثانيًا: إثبات القدرة على تشكيل قوّة عسكريّة مُقاتلة في سوريا، تتمتّع بالفعالية الميدانية وبالقدرة على التنسيق ما بين فصائلها المنوّعة من جهة ومع طيران "الحلفاء" من جهة أخرى، وتكون مُستعدّة لتنفيذ أوامر عمليّات أميركيّة - غربيّة.
ثالثًا: إيجاد موطئ قدم جغرافي واسع لقوى مُصنّفة في خانة "المُعارضة"، تمهيدًا لقيام كيانات حكم ذاتي مُنفصلة عن نظام الحكم المركزي في دمشق.
رابعًا: كسب ورقة ميدانية مُهمّة يمكن إستخدامها في أيّ مُفاوضات مستقبليّة مع روسيا من جهة، وبين النظام السوري ومعارضيه الذين يدورون في الفلك الأميركي من جهة أخرى.
وبالتالي، وبحسب أكثر من خبير غربي مُتابع للوضع السوري، فإنّه وعلى الرغم من التوافق الأميركي - الروسي على ضرورة ضرب وإضعاف تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، فإنّ الهجمات الحاليّة ليست مُنسّقة بمعنى التوافق الميداني على التفاصيل، لجهة جغرافيا العمليّات العسكريّة، وتوقيت الهجمات، والحجم الذي ستبلغه في النهاية، لكنّها يُمكن أن تُعتبر مُنسّقة تحت راية الخط العريض بضرورة القضاء على مواقع وقوّات "داعش"، بالقوّة العسكريّة. ونقطة التباين الأبرز تتمثّل في القوى التي ستحلّ مكان ميليشيات "داعش" المُتقهقرة، حيث ترغب واشنطن بأن تكون من وحدات مدعومة منها، أكانت كرديّة أم عربيّة، بينما لا ترغب موسكو بمنح الأميركيّين ورقة تفاوض مجانية في الملفّ السوري، من دون أيّ مكاسب تُذكر. وعلى خط مواز، يعمل الجيش السوري جاهدًا على إستغلال ضعف تنظيم "داعش" في محافظة الرقّة حاليًا، بفعل الغارات المتتالية على مواقعه، لقضم أكبر مساحة جغرافيّة مُمكنة قبل وُصول "قوات سوريا الديمقراطيّة"، وذلك منعًا لقيام واقع ميداني تقسيمي بدعم أميركي غربي، سيكون من الصعب على أيّ طرف تغييره في المُستقبل.
وبالتالي، تتجه الأنظار حاليًا إلى مُحافظة الرقّة، ليس لمعرفة السرعة التي ستنهار فيها دفاعات مُسلّحي "داعش" فحسب، والتي ستُشكّل الإنطلاق الفعلي للعد العكسي لانتهاء "دولة" هذا التنظيم الإرهابي، وإنّما لمعرفة هويّة القوى التي ستحلّ مكان "داعش". فسيطرة الجيش السوري على المساحة الأكبر من المنطقة ستُفشل أيّ مُخطّطات لما بعد إخراج "داعش" من محافظة الرقّة، بينما سيطرة "قوات سوريا الديمقراطيّة" على المساحة الأكبر من المنطقة سيفتح الحرب السوريّة على فصل جديد من هذا النزاع المحلّي والإقليمي والدَولي، يقوم على تثبيت مدماك أساسي على طريق تقسيم سوريا في المُستقبل. ومن غير المُستبعد أن يدفع التناقض الكبير في هذه الأهداف القوى المُجتمعة على مُهاجمة مُسلّحي "داعش" حالياً، إلى التواجه عسكريًا في المستقبل عند الإحتكاك الميداني المُباشر في ما بينها.
(1) مع سُقوط مطار الطبقة العسكري بيد مسلّحي "داعش"، فرض هذا التنظيم الإرهابي سيطرته على كامل مُحافظة الرقّة.
(2) يُقدّر عديدها بنحو 40,000 مُقاتل، وتضمّ وحدات كرديّة بشكل أساسي، إضافة إلى وحدات من "الجيش السوري الحُرّ"، وميليشيات تركمانيّة وسريانيّة وأرمنيّة، إلخ.