أعلن القائد السابق للحرس الثوري الإيراني محسن رضائي بشكل جازم حدّ اليقين منذ يومين أنّ الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة الذين تمّ اختطافهم في لبنان إبّان الحرب اللبنانية سنة 1982 أحياءٌ في السجون الإسرائيلية. أتى هذا التصريح مدوياً بعد سنوات من قضية لغز الدبلوماسيين المخطوفين؛ ليُطوى ملف البحث عن "المصير" ويُفتح اليوم ملف "الإفراج" و"المحاسبة" أو "الحرب".
إضافةً إلى ذلك؛ لافت ٌما أعلنه رضائي بأن الحرس الثوري قام بخطوات دبلوماسية في هذا الخصوص، ومعلومٌ أن الكشف عن القيام بهذه الخطوات وفي هذا التوقيت بالذات من حقبة الصراع الإقليمي الدائر، يؤكد بلوغها حائطاً مسدوداً والمرحلة المقبلة بهذا الشأن ستكون مغايرة وطارحة لتساؤلات عدة على المستويين الإقليمي والمحلي على السواء.
إقليميًا،
- هل يُدرَج موضوع الإفراج عن الدبلوماسيين الإيرانيين المخطوفين بنداً رئيسيا ضمن الأساسيات في سلة التسوية والمفاوضات الجارية بشأن حلّ أزمة سوريا واليمن؟
- ما هو موقف روسيا مستقبلاً تجاه إسرائيل بهذا الملف؟ وأين ستقف روسيا بين كلّ من إيران وإسرائيل؟
- ما هي شروط إسرائيل للإفراج عن المخطوفين الإيرانيين؟
- لماذا تكتمّت إسرائيل طوال هذه الفترة عن مصيرهم لديها؟
- ما هي الورقة التي تمسكها بيدها في هذه القضية؟
- ماذا لو فشلت مفاوضات الإفراج؟
أمّا محلياً؛
- هل ستتخذ حكومة لبنان موقفاً دولياً بوجه إسرائيل تجاه هذه الجريمة التي حصلت على أراضيها والتي إنتهكت عبرها المواثيق الدولية وحقوق الإنسان؟ أم ستلتزم الصمت؟
أربعة وثلاثون عاماً مرّت على هذه الجريمة الصارخة التي حصلت في الرابع من تموز عام 1982 يوم إختطف الإيرانيون الأربعة، تفاوتت نسبة الإهتمام الإعلامي بها.
وأبرز ما جاء بهذا الخصوص ورد في صحيفة الرياض "السعودية" في عددها 13843 الصادر في 19 آيار عام 2006 التي نقلت عن لسان رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع بأنّ الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة قد تمت تصفيتهم بحسب معلوماته على أيدي عناصر من (القوات) آنذاك وقد جرى تحميل المسؤولية إلى "إيلي حبيقة" (كما ذكرت صحيفة "الرياض")؛ مشيرةً أيضاً إلى تقاطع هذه المعلومة مع ما كتبه روبير حاتم الملقب بـ(كوبرا) في كتابه الذي أثار زوبعة إعلامية عام 1999 "الخيانة من تل أبيب إلى دمشق".
بالمقابل، نقل ذوو الإيرانيين الأربعة المخطوفين عن لسان إيلي حبيقة رواية أخرى مفادها أنه أبلغهم أن كلّاً من اللواء أحمد متوسليان -الملحق العسكري للسفارة الإيرانية في بيروت- والسيد محسن الموسوي -القائم بالأعمال في السفارة- وتقي رستكار مقدم -موظف في السفارة- وكاظم أخوان مصور وكالة الأنباء الإيرانية كانوا ما زالوا على قيد الحياة وفي السجن إبان الإنتفاضة ضدّه عام 1986 غداة توقيع الإتفاق الثلاثي في دمشق.
في الجانب الإيراني، أدلّة كثيرة تلقاها المسؤولون الإيرانيون بحسب تصاريح عدّة ومنذ سنوات؛ رجّحت أن الدبلوماسيين على قيد الحياة.
طُويت عام 2016 صفحة الترجيح ليأتي التأكيد: إنّهم أحياء. ولتُطوى معها صفحات سياسية عدّة وتُفتح أخرى.
في هذا السياق؛ أكّد أيضاً وزير الدفاع الإيراني العميد حسين دهقان في مقابلة له مع وكالة أنباء الدفاع المقدّس رفضَ إيران القول بأنّ الدبلوماسييين الأربعة لم يتمّ إختطافهم أو أنهم إستشهدوا محمّلاً اسرائيل المسؤولية الكاملة.
كما وأكدّ في هذا السياق أنّ "الحكومة والشعب الإيراني يطالبان بكشف الأمر ويدعوان لمتابعة القضية بصورة جدّية"، وأكدّ أنهم أحياء في السجون الإسرائيلية وحمّل الاسرائيليين مسؤولية سلامة وأمن الدبلوماسيين.
من جهة أخرى واجبٌ التوقف عند كلمة الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله التي جاء فيها أن هناك مسؤولية لبنانية تجاه الإيرانيين المخطوفين الأربعة الذين تمّ تسليمهم إلى "إسرائيل".
في المشهدية عينها، أخبار إعلامية متعدّدة حيال كيفية إختطافهم، بعضها يضع رواية الإختطاف على حاجز البربارة شمال بيروت، والبعض الآخر يسرد رواية إختطافهم على الطريق الدولية من المصنع بعد أن عبروا الحدود متوجهين إلى السفارة الإيرانية في بيروت.
وبين اتّهامات عدّة متبادلة عن هوية الجهة الخاطفة تصبّ كلّها في خانة التصويب على عناصر ميليشياوية آنذاك تقاتلت فيما بينها، واضح أن إيران لديها الآن حيثيات كل الحقائق.
لا شكّ إذا ًأن هذا الملفّ سيُفتح على مصراعيه في المرحلة المقبلة السياسية على بساط المباحثات والمفاوضات، فإن تسلّمت روسيا قنوات الإتصال والتفاوض بين كلّ من إيران وإسرائيل بشأن التسوية المشروطة فيما بين البلدين، على اعتبار أن روسيا الواقفة على وفاق مع الاثنين حفاظاً على السلام الإستراتيجي في المنطقة وعلى مصالحها السياسية والإقتصادية في آن حتماً، ستصطدم بعراقيل سياسية، وإن رفضت روسيا تسلّم حلّ هذه القضية، ما مصير الصراع؟
إنه ملفٌ قد يؤزّم الوضع في المنطقة أو يكون بادرة حلّ عبر الرضوخ لبعض التسويات المشروطة تمهيداً لخواتيمه عبر الإفراج عن الأسرى.
ويبقى عندها جانب لا يقل أهمية عمّا سبق، يتمحور حول آثار نتائج هذه القضية السلبية والإيجابية على الداخل اللبناني، فالساحة خصبة لإيقاع الفتنة السياسية. فهل تسقط بعدها التحفظات التي ظهرت في انتقاء التعابير عند توجيه الإتهامات وتحميل المسؤوليات الداخلية أمام المتغيرات والحقائق، فيُفُتح باب الصراعات والنزاعات المباشرة من كل صوب؟ وهذا حلم وهدف إسرائيل. أو ماذا بعد؟