في الوقت الذي كان الرئيس السوري بشار الأسد يتحدث في الجلسة الأولى لمجلس الشعبالسوري المنتخَب حديثاً، كان رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو يزور موسكو؛ في لقاء تاريخي بمناسبة مرور 25 سنة على إعادة العلاقات بين البلدين.
تزامن الحدثين، وما قيل فيهما، وقد يعطي إشارة واضحة إلى عدم الوضوح الذي يعتري العلاقة بين الحليفين الروسي والسوري، خصوصاً في ظل تصاعد الدور الروس في المنطقة، والقلق مما يمكن أن يقوموا به سواء على صعيد الصراع العربي - "الإسرائيلي" أو على صعيد رسم مستقبل سورية الذي يدور حوله مجمل الصراع في المنطقة، علماً أن الشكل الذي يتخذه مستقبل سورية سيطبع شكل ومستقبل الدول في المنطقة بأسرها.
وقد يكون التناقض في الخيارات الروسية في المنطقة وعدم وضوحها، هو ما جعل الرئيس السوري يوجه معظم رسائله إلى الحليف قبل العدو، وهي كما يلي:
- بالرغم من أن الأسد في خطابه شكر كلاً من إيران وروسيا والصين، ودافع عن خيار "وقف العمليات القتالية" الذي فرضته موسكو على الجميع وقبلته دمشق، إلا أنه ومن خلال رسم الخطوط العريضة لسياسة الدولة السورية المستقبلية، حدد المعايير التي تقبل بها دمشق والخطوط الحمراء التي لا يمكن لها القبول بها، ولو أتت من قِبَل موسكو أو غيرها.
- وفي تكرار وتأكيد لما كان قد قاله سابقاً في مناسبات عدّة، جدد الأسد التأكيد على عدم القبول بتقسيم سورية، وعلى مفصلية معركة حلب (التي شبّهها سابقاً في خطاب وجّهه لبوتين بستالينغراد)، كما أعاد التأكيد على أن الجيش السوري سيحرر كل شبر من الأراضي السورية؛ مثلما فعل في تدمر، وهو ما كان قد أعلن عنه في مقابلة سابقة، وأنتج استياءً روسياً عبّر عنه المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين.
- وبالرغم من أن الاسد أبدى انفتاحاً على إمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية، إلا أنه أعلن - وبكل وضوح - أن المعركة السياسية الحقيقية هي على صياغة الدستور السوري المستقبلي وليس على الحصص داخل الحكومة أو تقاسم الوزارات بين النظام والمعارضة. ولعل الرفض الصريح والواضح لنموذج المحاصصة الطائفية تحت شعار "التوافقية"، قد يكون رسالة موجهة إلى موسكو التي سرّبت ما يسمى "مسوَّدة الدستور السوري" ثم عادت وتراجعت، نافية أن تكون قد وضعت هذه المسوَّدة. لقد بيّن الأسد أن النظام الطائفي الذي يشبه النظام اللبناني ما هو إلا وصفة لتقسيم السوريين، واستجلاب الوصاية الخارجية تحت ذريعة حماية المكونات الطائفية الموجودة داخل الوطن.
هذا في رسائل الأسد لروسيا، أما الرسائل الروسية لمحور المقاومة فكانت أوضح من خلال المؤتمر الصحفي الذي أقامه الرئيس الروسي مع رئيس الوزراء "الإسرائيلي" نتنياهو، حين بالغ بوتين في مديح دور "إسرائيل" في مكافحة الإرهاب، معتبراًأن "إسرائيل" تعرف هذه الظاهرة، ليس بالسمع، وأنها "تحارب الإرهاب"، مؤكداً أن روسيا وإسرائيل "حليفتان من هذا المنظور".
وبهذا المعنى، يكون الرئيس الروسي قد رفع "إسرائيل"إلى مرتبة أعلى بكثير من الأوروبيين والأميركيين، الذي ما انفك يعلنهم مجرد "شركاء"، علماً أن بوتين قدّم لـ"إسرائيل" في هذه اللفتة أكثر بكثير مما قدّمه نتنياهو لموسكو بإبداء الرغبة في منحها دوراً سياسياً أكبر في الشرق الأوسط، من خلال القبول بدخولها شريكاً في الرباعية، وفي مفاوضات التسوية مع الفلسطينيين،والتي لا يريدها نتيناهو أصلاً.
والسؤال الأهم: كيف يمكن أن يكون بوتين حليفاً لحزب الله في المعارك ضد الارهابيين في سورية، ويكون في نفس الوقت حليفاًلـ"إسرائيل" في مكافحة الإرهاب (وهو بتوصيف الإسرائيلي يعني حزب الله والمقاومة الفلسطينية ولا يعني - بالتأكيد - النصرة وداعش، باعتبار أن الإسرائيليين يمدّون المجموعات الإرهابية في الجولان بالدعم والرعاية والخدمات الطبية)؟
وتكمن الخطورة في التقارب الروسي - "الإسرائيلي"، في محاولة "الإسرائيليين" التأثير على موسكو لكي تأخذ بعين الاعتبار المصالح "الإسرائيلية" حين الاتفاق على مستقبل سورية، وهذه المصالح - بالمفهوم "الإسرائيلي" - تعني: تحجيم الدور الإيراني في سورية، وإضعاف حزب الله وتوقّف شحنات السلاح إليه، والامتناع عن المقاومة في الجولان، وهو ما كان قد دسّه دي ميستورا في ورقته سابقاً؛ بالحديث عن الالتزام بـ"المقاومة السلمية في الجولان".
وهكذا، تبادَلَ الحليفان الرسائل في يوم واحد، وحدد كل منهما نظرته للصراع ومستقبل المنطقة، لكن ما لم يحسبه الروسي جيداً أن سورية كانت قد صمدت خمس سنوات قبل قرارهم بالتدخّل العسكري، ثم إن الإنجاز الذي حققه الروس بما سمّوه "عاصفة السوخوي" لا يجعل منهم قوة قاهرة لا يُردّ لها طلب، لذا من الأفضل لأي قوة صاعدة في المنطقة ألا تبالغ في قدرتها على فرض شروطها، بل أن تحسب جيداً تبدُّل سيكولوجية الشعوب الشرق أوسطية، فعرب المشرق في القرن الحادي والعشرين ليسوا كعرب بداية القرن العشرين، الذين استعملوا وقوداً في المخططات الخارجية ضد بلادهم، ثم استمروا بالندب طيلة مئة عام.