لم يقصد الكاتب أحمد زين الدين أن يقطف اللحظة لإطلاق كتابه - الوثيقة "إميل لحود يتذكر"، سيما أن الأستاذ زين الدين ذكر أن كتابه نتاج جلسات وحوارات مطوَّلة نُشرت تفاصيلها ضمن ستين حلقة على صفحات جريدة "الثبات". لذا، فإن اللحظة هي التي قطفت قلم زين الدين، واستحضرت ذكريات إميل لحود؛ القائد والرئيس، في زمن وطن بلا قيادة ولا رئيس، واختطفتنا نحن الفخورين بولادة الوثيقة، إلى حقبة سيادية بامتياز، وانتشلتنا من زواريب التناحر الوطني، حيث وزير سابق يقرر عن طرابلس أنها ترفض- بلدياً - هذا أو ذاك لرئاسة الجمهورية، ونائب سابق،يعيش على بقايا أمانتهالعامة،يضع باسم طرابلس "فيتو" على فلان أو فلان لرئاسة الجمهورية، لنأسف على الدرك الذي بلغناه بالكيديات الفئوية، بعدالإنجازات الوطنية التي تحققت خلال ولاية إميل لحود ورعايته، وبتنا تواقين لاستمهال انتخاب رئيس، كي يأتي شبيهاً حكماً بإميل لحود، وخلفاً لا يشبه من خلف إميل لحود، تم إخراج انتخابه في الدوحة لإملاء الفراغ الرئاسي"بمن حضر"!
بقدر ما جاء الكتاب، أنيقاً، مبوَّباً، بقدر ما تدفّق أحمد زين الدين بأناقة الكلمة، في نقل دفق ذكريات إميل لحود، سيما أن زين الدين شبّ على الإعجاب باللواء جميل لحود كقائد عسكري وطني كبير، ووزير للعمل له المواقف غير المسبوقة مع العمّال والكادحين، ولأنه انطلق من تأريخ مسيرة عائلة لبنانية وطنية منذ جرجس لحود الجد، فقد بنى هذا الكاتب اللبناني المقاوم لنفسه، أرضية صالحة للانطلاق برسالة الكلمة القاطعة بالحق، ليكون خير موثّق لمسيرة "الرئيس المقاوم" الذي قال عنه "ضمير لبنان" الرئيس سليم الحص في تقديمه للكتاب: "هو رجل نزيه ومستقيم ومترفع إلى أبعد الحدود"، وظهرت لنا مهارة إميل لحود القيادية، وقدرته على التأقلم مع "آدمي" يشبهه مثل الرئيس الحص، وبنفس الوقت مع قوى الأمر الواقع من"أكَلَة الجبنة" وأهل المغاور في الدولة اللبنانية، ليمنع ضمن إمكاناته جعل الوطن "قالب جبنة" ومغارة لصوص.
إن شفافية وتجرد ودقة الأستاذ زين الدين في التوثيق، بغنى عن أن نُسهب في شرح مضامين كتابه، ونستعين به وثيقةً نبني عليها "عريضة وطنية"، تطالب برئيس لا يقل أخلاقية ومناقبية ووطنية عن إميل لحود،وحتى لو طال زمن الصبر على الفراغ، بات من المعيب بعد تجربتنا مع إميل لحود، إملاؤه بكائن من كان،كي لا نسقط في تجربة دوحة جديدة، حملت إلينا بعد لحود مرارة الهزيمة السياسية،بعد الإنجازات - "المعجزات" التي حققها "لحود العسكري"، وفي طليعتها بناء الجيش اللبناني الحديث على مبادىء وطنية مقدّسة بعيداً عن عبث السياسيين، وأعادت لهذا الجيش اللحمة، وحددت البوصلة وميزت الصديق من العدو، و"لحود المدني" الذي كان له شرف دعم ورعاية المقاومة اللبنانية الشريفة في حرب التحرير عام 2000 وفي انتصار تموز عام 2006، وشرف كرسي بعبدا بنزاهته النادرة ونظافة كفه.
في العام 2000، رمى إميل لحود ببورجوازية البروتوكول جانباً،وخرج إلى بهو القصر لاستقبال تاريخي يليق بقائد المقاومة سماحة السيد حسن نصرالله، وعامله كما رئيس دولة؛ بطلاً لبنانياً عربياً إسلامياً لم ولن تُنجب أمة في الكون مثيلاً له، وبنى لحود منذ ذلك اليوم معادلة "الجيش والشعب والمقاومة"، التي ننعم بها في أيامنا، والتي ثبت أن لا ديمومة سيادة واستقلال وكرامة للوطن اللبناني بدونها، وباتت المقاومة جزءاً عظيماً وأساسياً ومقدّساً في الوجدان الشعبي، وفي حماية الوطن والشعب من شر العدو المتربص جنوباً، ومن شياطين التكفير والإرهاب القادمة إلينا من "ربيع الانتحار العربي".
وكما كسر العرف لتكريم قائد المقاومة، تخطّى لحود كل الأعراف التي يعيش الملوك والرؤساء العرب أسرى لها، فأقفل خط هاتفه بوجه مادلين أولبرايت لخلاف بوجهات النظر حول "الخط الأزرق" بعد التحرير عام 2000، وفي العام 2006 ترك كوناليزا رايس وحيدة في مكتبه وغادر لأنها تجرأت وبحثت معه موضوع إلغاء المقاومة، كما سبق وتحدى القرار 1559 الذي كان يصنف المقاومة من ضمن الميليشيات، وأعطاها الشرعية الرسمية اللبنانية.
عربياً، ولأن الرئيس لحود تبنى الانتصارين، بات الرئيس العربي الألمع والأجرأ على المجاهرة في الحقوق اللبنانية والعربية، وباتت المقاومة ترياق التفوق للحود في القمم العربية، ولم يعد لبنان بالنسبة للعرب ذلك البلد الصغير، وتعملق لحود بأدائه السياسي والدبلوماسي على الدول العربية الكبرى.
داخلياً، خاض لحود المعارك الأقسى، من الضغوط الأميركية كرمى لعيون "إسرائيل"، إلى الضغوط الفرنسية، وتحديداً من جاك شيراك، كرمى لعيون الرئيس رفيق الحريري وطموحاته السياسية، إلى الوساطات السورية، وتحديداً عبر غازي كنعان، من أجل تمرير الصفقات للحريري، سواء كانت "سوليدير"، أو سواها من العقارات التي هي ملك الدولة وتساوي مئات ملايين الدولارات، وحاول أهل الصفقات شراءها بأبخس الأثمان، وحسب إميل لحود فإنه قاتل لمواجهة حيتان المال وغيلان السلطة، وميّز بعدل بين الناس، وسمى في الكتاب بالأسماء، أبناء "مدرسة الأوادم"، أمثال الرئيس الحص والوزيرين السابقين جورج قرم وشربل نحاس، وسمى أيضاً تجار الهيكل وساكني المغاور.
إلى إميل لحود، القائد والرئيس، تحية إجلال أيها الكبير من لبنان، وإلى أحمد زين الدين نقول: يا عشير الأوادم، كتابك حق لنا أن يكون عريضة وطنية، للمطالبة بشبيه لإميل لحود في قيادة الجيش والرئاسة، وشبيه بدولة الرئيس سليم الحص في السراي الحكومي، ونماذج وزراء يشبهون قرم ونحاس، ورجال دولة شرفاء يشمخ بهم وطن المقاومة.