يعيش مشروع "الإمبراطور أردوغان" حالة من القلق والانفعال وخيبات الأمل، نتيجة أجهاض أحلامه وحلفائه بقوة الصمود السوري ومحور المقاومة. لقد تعهّد أردوغان لـ"الإسرائيليين" بإسقاط سورية، بدءاً من حلب والحدود التركية المفتوحة، والتي عبر منها أحد الوزارء "الإسرائيليين"، وتعهّد بتزعُّم العالم الإسلامي، عبر "جماعة الإخوان المسلمين" وإنهاء المقاومة بتدجين "حماس"، لكن الميدان لم يساعد أردوغان فنجح مع "حماس" وسقط في مصر ونجح مع "داعش" مرحلياً، وسقط مع الأكراد برعاية أميركية في سورية، وفي الداخل التركي، ولذا لا نستطيع اللحاق بانفعالاته، فهو كالفيل في محل للأواني الخزفية؛ يكسر كل شيء في دخوله وخروجه.
ينتقل أردوغان من هزيمة إلى مصيبة؛ يخسر الحلفاء في الخارج ويعدمهم أو يعزلهم في الداخل، حتى أصبح وحيداً يحاول نبش الماضي لتوظيفه، لكنه يخسر أكثر، لأنه أضعف مما مضى، وتغيّر الزمان ولن تعود للأتراك إمبراطوريتهم القديمة المترامية الأطراف، ومن خسائر أردوغان ما يلي:
1- خسارة العلاقات الاقتصادية والسياسية مع روسيا، وحصاره من الروس في السياحة وغيرها، فهددهم بالحصار.
2- خسر البراءة من المجازر الأرمنية، حتى أن ألمانيا اعترفت بالإبادة الأرمينية، فهددها بالحصار.
3- خسر الأميركيين الذين وجدوا فيه حليفاً فاشلاً، فتواصلوا مع أعدائه الأكراد لحفظ مصالحهم، عبر قيام الدولة الكردية المستقلة في قلب المثلث التركي - العراقي - السوري بديلاً عن الاحتلال المباشر، ودون كلفة عالية على مستوى التكاليف أو المواقف السياسية، وكبديل عن العائلة السعودية أو "تركيا أردوغان"، ولم ينفع صراخه وتركه الأميركيون وحاربوا مع الأكراد.
4- خسر مصداقيته وظهر كذبه حول فك الحصار عن غزة، وها هو يعود للعلاقات مع الصهاينة، ولم يعط شيئاً، سواء فك الحصار أو التعويضات عن قتلى سفينته "مرمرة"، ومع ذلك شكرته "حماس"!
5- اعتقل كل أنصار ولي أمره السياسي عبد الله غولين، بعدما انقلب على أستاذه أربكان، كما انقلب على رفيقه عبد الله غول، ثم انقلابه الأخير على حليفه الأساسي أحمد داوود أوغلو، وعزله من الحزب ورئاسة الحكومة.
يعيش أردوغان أيامه العصيبة، فإما أن يُكمل في تصفية رفاقه وخصومه في الداخل ويتوِّج نفسه ديكتاتوراً في قلب أوروبا وقيادة تركيا نحو الحرب الأهلية بين العلويين وبينه، وبين الأكراد وبينه لتقسيم تركيا قبل غيرها، أو يسارع لتغيير خياراته ويلجأ لإعادة العلاقات مع الروس، والانفتاح والتنسيق مع إيران للتحوّل الإيجابي باتجاه سورية، بعدما لم يربح حتى الآن من كل ما خربه في سورية سوى بضعة مصانع مسروقة، واغتصاب الأطفال النازحين والنساء، ومقايضة أوروبا بالمال، وتحرير تأشيرة الدخول للأتراك مقابل عدم ضخ النازحين إليها.
خيارات أردوغان باتت محدودة، وتتراوح بين الخسارة الشاملة والخسارة المحدودة دون أي أمل بالأرباح، بسبب فشله وتعامله مع "داعش" والتكفيريين الذين ستوظفهم أميركا في لحظة ما في الداخل التركي لإسقاط عهد أردوغان والعودة إلى عهد العسكر العلماني؛ عضو "الناتو"، بعدما أدى أردوغان وظيفته في "الربيع العربي"؛ كما فعلت أميركا مع أمير قطر.
باب النجاة الوحيد لأردوغان يمر عبر إعادة العلاقة مع سورية، وإغلاق الحدود أمام التكفيريين، والمصالحة مع روسيا، والتنسيق مع إيران وفق منظومة حفظ المصالح، وإلا فإن سقوط أردوغان المدوي سينعكس على تركيا وأمنها واقتصادها.. ووحدة أراضيها.
اردوغان والشعب التركي أمام خيارين: بقاء تركيا، أو بقاء أردوغان، والوقت ليس في صالح التباطؤ في حسم الخيارات، فالروس والأميركيون يتجهون للتنفيذ المباشر دون وكلاء أو مقاولين محليين لإنتاج معادلة جديدة بديلة عن "سايكس - بيكو"، سواء كنسخة معدَّلة، أو مختلفة تماماً، ويمكن أن نستفيق على معادلة "بوتين - أوباما" أو "كيري - لافروف" قبل انتهاء ولاية أوباما القريبة.
أردوغان "المسكين" لم يتعلم من مصير شاه إيران، ولا من مبارك ولا صدام حسين ولا أمير قطر.. إنهم الفراعنة الأغبياء، والمشكلة أن الشعوب تدفع الثمن أكثر.. فهل يمكن إنقاذ تركيا من "نيرونها" الجديد؟
الظاهر أنه سيسقط أردوغان ويبقى الأسد!