لا تليق عبارة “سبحان اللي بغيّر وما بيتغيَّر” بأيٍّ من الملتهين في ما يسمّونها سياسة في لبنان، ولم يعد لُبّ الحكاية في تقبّل ترشيح الحكيم للعماد أو الحريري لفرنجية، بقدر ما انطلق البحث في ماورائيات القراريْن عن مرشّح ثالث قد يحمل مفتاح باب حارة بعبدا الصامتة.
ليس من جديدٍ فعلي في الشأن الرئاسي الغارق في تمسّك كلٍّ فريقٍ بمرشّحه المبدئي، وحده النائب وليد جنبلاط يخرق الجدار بحديث خارج عن المألوف، كثيرًا ما يشبه تفلّتاته الموسميّة التي يُبنى عليها أحيانًا لا سيما عندما يحرق ورقة النائب سليمان فرنجية ويدعم ورقة العماد ميشال عون متى ثبُت أن المسيحيين يريدونه، قبل أن يعود عن زلّته ليتحدث عن طبخة بطلُها مرشّحٌ ثالث لا يعرف هويّته. فمن عساه يكون؟
إنه الشغور...
قد لا يكون ذاك المرشّح الثالث الذي ألمح اليه جنبلاط مطلِقًا قُطار التحليلات ومحرِّكًا بورصات الأسماء، سوى الشغور الذي يسابق كلّ المساعي الداخلية والخارجية. بورصاتٌ لا يجد كثيرون اسميْ عون وفرنجية في متنها. فماذا يحصل؟ بات واضحًا كل الوضوح أن ورقة فرنجية لم تعد تلبي طموحات كاتبيها بخطّ أيديهم، يوم دعموا قرارًا خارجيًا “أنزِل” على الرئيس سعد الحريري بالمظلة، وزُجّت أسماء دولٍ فيه آخرها بريطانيا التي سارعت الى نفي التدخّل في الشؤون اللبنانية ومثلها فعلت السعودية فيما لم تُعر الولايات المتحدة التي تقرّ على ما يبدو بدورها في كلّ الملفات، الأمرَ أهميةً. قد يكون سابقًا لأوانه القول إن ورقة فرنجية احترقت بالكامل وإن اعترف وليد بك أحد الطهاة الرئيسيين بذلك، خصوصًا بعدما تيقّن أن لا قبول مسيحيًا للرجل سواء من الرابية أم معراب أم بكفيا أم حتى المسيحيين المستقلّين في صفوف 14 آذار، ناهيك عن عدم “هضمه” كخيارٍ “مستقبلي” من كثيرين من أبناء “المستقبل” الذين بلعوا “الموسى” رضوخًا لخيار القيادة العليا المتمثّلة في الحريري ومن هو أكبر منه من دول ولاعبين على الساحة اللبنانية.
بيت الوسط على موقفه
الأبواب التي أقفلها جنبلاط في وجه فرنجية تظهّر وكأنه فتحها في وجه الجنرال عون، وهو ما لا يراه كثيرون كافيًا للقول إن رجل الرابية سيكون هو الرئيس المرتقب في فرصةٍ قريبة. فبالنسبة الى “المستقبل” تؤكد مصادره لـ”صدى البلد” أن “قبول جنبلاط بخيار عون في حال أراده المسيحيون لا يعكس في الضرورة وجهة نظر بيت الوسط الذي ما زال على موقفه من رفض خيار عون بعدما اختبر الأمر قبلًا ووجد أن لا تقبل داخليًا أو خارجيًا لمثل هذا الخيار، وعليه يبقى سليمان فرنجية حتى الساعة خيار المستقبل”... ما لا يقوله أبناء بيت الوسط يعيه أبناء الرابية، وهو يتمحور في الدرجة الأولى حول الضوء الأخضر السعودي الذي لم ينلْه الحريري للارتقاء بخيار عون على قاعدة: “نيال اللي بترضى عنّو السعودية”. قد لا تبدو الأمور بهذه الحدّية مع إصرار المملكة على غسل يديها من الملف الرئاسي اللبناني على أنه استحقاقٌ داخلي بحت، وما يعزّز فرضية تراجع الدور السعودي لا بل الخارجي برمّته في هذا المجال إنما يتجلى في حقيقة قوّة القرار الداخلي الذي يحاول عون وجعجع بتحالفهما فرضه وتفصيله على قياس رئاسةٍ لبنانيّة صافية مئة في المئة، وهو الحلم الأصعب منالًا بالنسبة اليهما بعدما كانت الرئاسة الأولى رهينة قراراتٍ خارجية بدأت بالتدخل السوري وما انتهت بالتدخّل السعودي والأميركي والفرنسي والبريطاني.
سيناريو خيالي
اليوم، أيّ حديثٍ عن خيارٍ ثالثٍ يبدو سيناريو خياليًا لا سيّما أن موقف الرابية واضحٌ من عدم السماح بالإتيان برئيس لا طعم له ولا لون، وهو ما ستوافقها عليه معراب، وعليه سيصيب الثنائي المسيحي مجددًا بحشر الآخرين ممن تشدّقوا يومًا بالقول: فليتفق المسيحيون ونحن نسير. علمًا أن أيّ خيار ثالث يمكن أن يُطرَح في هذا المجال، لن يكون في حسابات طارحيه من بورصة الأسماء التي تمّ تداولها عن مجموعةٍ وسطيّة ناجحةٍ في قطاعاتها، لا سيّما أن معظمها قُطِع عليه الطريق من بداية مشوار البحث عن رئيس. أما الثوابت بالنسبة الى الرابية التي تجد نفسها بتمثيلها المسيحي الأوسع معنية أكثر من سواها بهذا الاستحقاق، فإن لم يكن عون هو الرئيس، لن يكون سوى آخر يرضى عنه الجنرال لا بل الجنرال والحكيم هذه المرة ركونًا الى النوايا التي تفرض عليهما اتخاذ قرارٍ واحد موحّد إزاء ملفات مصيرية. علمًا أن البرتقاليين لا يعوّلون كثيرًا لا بل لا يصدّقون حكاية تنازل فرنجية لصالح عون متى توفّرت الأكثرية لانتخابه، من دون أن يُسقطوا علامات الاستفهام المحوّمة فوق رؤوس قادة حزب الله وحقيقة موقفهم من ترشيح العماد لا سيما أنهم لا يحرّكون ساكنًا على طريق دعم وصوله قريبًا.
فوضى أولويات
أيًا تكن الخيارات الرئاسية التي ما عادت محصورة بين عون وفرنجية في ظلّ تراجع أسهم الاثنين في حسابات غير داعميهما، بات جليًا أن مثل هذا التراجع يترافق مع تراجع في الأولوية الرئاسية لحساب الأولوية النيابية وقانون الانتخاب المبحوث فيه على نار حامية في اللجان والمعلّقة نتائجُه في انتظار طاولة الحوار الوطني. طاولة لن يكون عون وفرنجية بطليها كما في كلّ مرّة، تمامًا كما لن يكون أي خيارٍ ثالث بطلها في استحقاقٍ متّفقٍ على تأجيله وإن حرّكته بعض عصي المستذكرين أن في لبنان كرسيًا شاغرًا ووجهًا مفقودًا.