"الفوضى" سيطرت لتغيب معها الأجواء "الديمقراطية" عن بكرة أبيها، لتبدو معها كلّ الاستحقاقات المنتظرة في العام الجديد "مهدَّدة" بكلّ ما للكلمة من معنى، من الانتخابات الرئاسية وصولاً حتى الانتخابات النيابية المؤجّلة.
هذا المقطع ليس توصيفًا لأحداث العام 2014، الذي يتأهّب للرحيل وتسليم الدفة لعامٍ جديدٍ، بل هو بحرفيته "خلاصة" التقرير السنوي للعام 2013، ما يؤكد أنّ "المخاوف من المجهول" التي نبّه إليها تقرير العام الماضي كانت مشروعة، أضيف إليها "شبح الإرهاب" الذي بات يسرح ويمرح في الداخل اللبناني.
هكذا، لم يتغيّر شيءٌ بالمعنى العملي بين العام 2013 و2014، فالانتحاريون الذين دقّوا الأبواب قبل عام أخذوا راحتهم هذا العام، والجيش كان لهم بالمرصاد فدفع ضريبة الشرف والتضحية والوفاء من أبطاله، فيما كانت السلطة السياسية تجسّد من جديد "العجز" بأبهى حلله وعلى كلّ المستويات!
انتحاريون في كلّ مكان..
في نهاية العام 2013، انطلقت دون سابق إنذار موجة "الانتحاريين" في الداخل اللبناني، متوّجة عامًا حافلاً على الصعيد الأمني، شكّلت التفجيرات الإرهابية والسيارات المفخخة المسرح الأساسي له. وفي العام 2014، بقي الوضع الأمني أولاً على أجندة الأحداث، بل إنّ الإنتحاريين باتوا من "عدّة الشغل"، وخصوصًا في الجزء الأول من العام الذي سبق ولادة الحكومة "السلامية".
هكذا، لم يكد اليوم الثاني من العام 2014، حتى كان "الانتحاريون" يضربون بقوة في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، وتحديدًا في منطقة حارة حريك، موقعين عددًا من الشهداء والجرحى في صفوف المدنيين، الذين كان كلّ ذنبهم أنّهم مرّوا بالمكان في التوقيت الخاطئ. ولم يكتف الإرهابيون بذلك، فضربوا مجدّدًا في السادس عشر من كانون الثاني أمام سراي الهرمل، وفي الحادي والعشرين من كانون الثاني في حارة حريك من جديد. وفي الأول من شباط، كانت محطة للوقود في مدينة الهرمل هي "الهدف"، ليعود الانتحاريون إلى بيروت في الثالث من شباط، يوم فجّر انتحاريٌ نفسه في باص للركاب في مدينة الشويفات بعد اكتشاف أمره، ليبقى التفجير الأكبر هو ذلك التفجير المزدوج الذي استهدف مبنى المستشارية الثقافية الإيرانية في بئر حسن في التاسع عشر من شباط، والذي سبق تفجيرًا آخر على حاجز للجيش في الهرمل في الثاني والعشرين من شباط، دون أن ننسى الانفجار الارهابي الذي وقع في منطقة الطيونة في الرابع والعشرين من حزيران.
وفي مقابل الهجمة "الانتحارية" غير المسبوقة في الداخل اللبناني، لعبت الأجهزة الأمنية دورًا أساسيًا في تجنيب الوطن "كوارث" بكلّ ما للكلمة من معنى، وكان "الأمن الاستباقي" يضرب بقوة. وإذا كان العام قد بدأ بـ"إنجاز لم يكتمل" مع توقيف القيادي في "كتائب عبدالله عزام" ماجد الماجد الذي توفي بعد أيام قليلة ما حال دون الاستفادة العملية من "الصيد الثمين"، فإنّ قياديًا آخر في الكتائب، هو جمال دفتردار، وقع في قبضة القوى الأمنية في الخامس عشر من كانون الثاني، في وقتٍ تمكّن الجيش في الرابع والعشرين من الشهر نفسه من توقيف الإرهابي عمر الأطرش الذي أقر بنقله انتحاريين الى لبنان. أما الثاني عشر من شباط، فالكثير من اللبنانيين يتذكرونه، وذلك مع نجاح القوى الأمنية في توقيف الإرهابي الفلسطيني نعيم عباس وتفكيك سيارة مفخخة في كورنيش المزرعة كانت معدّة للتفجير، وذلك تزامنًا مع ضبط سيارة مفخخة بداخلها 3 نساء بينهم جومانة حميد على طريق اللبوة عرسال، علمًا أنّ الجيش استطاع ضبط سيارة مفخخة أخرى في جرود بلدة حام البقاعية بعد ثلاثة أيام. ورغم تسجيل العديد من الإنجازات، يبقى شهر حزيران الأكثر "ثقلاً" على صعيد "الأمن الاستباقي"، بدءًا من مداهمات الحمرا الشهيرة التي شهدها أحد الفنادق في العشرين من حزيران، وصولاً إلى مداهمة فندق دي روي في الروشة في الخامس والعشرين من الشهر نفسه والتي أسفرت عن تفجير انتحاري لنفسه وتوقيف آخر، اعترف بأنّ المخطط كان "مزدوجًا" لاستهداف أحد المطاعم الشهيرة في منطقة الضاحية الجنوبية.
الجيش يدفع الضريبة..
هو الأمن إذًا شكّل العنوان الأول لكلّ أحداث العام 2014، ليؤكد بما لا يقبل الشكّ أنّ لبنان لم يعد على حافة الهاوية بل بات في قلبها، وأنّ الإرهابيين وضعوه على جدول أعمالهم بالخط العريض. وفيما كانت السلطة السياسية، على جري عادتها، تغسل يدها، بل كان بعض الأفرقاء لا يتردّدون في تبادل الاتهامات بالوقوف وراء "استدراج" الإرهابيين و"احتضانهم"، كان الجيش، على جري عادته أيضًا، ينزل إلى الميدان، ليدفع بدماء جنوده وضباطه الأبطال الضريبة، مجسّداً شعاره الأول "شرف، تضحية ووفاء".
وإذا كان من الصعوبة بل من الاستحالة بمكان تعداد الاعتداءات التي تعرّض لها الجيش اللبناني خلال هذا العام، والتي قد تصل إلى عدد أيام هذا العام، فإنّ ممّا لا شكّ فيه أنّ الجماعات والتنظيمات الإرهابية والتكفيرية اعتبرت الجيش "عدوًا" لها، لا لشيءٍ إلا لكونه يقوم بواجبه في الدفاع عن الوطن وحماية حدوده، وتوقيف المجرمين وسوقهم إلى العدالة.
وفي حين لم تغادر الاعتداءات على مراكز الجيش وحواجزه المشهد على امتداد أشهر العام، فإنّ أحداث عرسال التي بدأت في الثاني من آب بعيد توقيف أحد قياديي "جبهة النصرة"، وهو الإرهابي أبو أحمد جمعة، شكّلت العلامة السوداء الفارقة لهذا العام. هكذا، لم ينتظر الإرهابيون طويلاً للرد، فكانت معركة استعمِلت فيها كلّ الأسلحة، وسقط للجيش فيها عدد من الشهداء والجرحى، لكنّ الطامة الكبرى بقيت في نهايتها في السابع من آب.
يومها، انسحب المسلحون والإرهابيون من أرض المعركة، ومعهم "كنزٌ ثمين" يتمثل بالعسكريين المخطوفين، والذي لا يزال اللبنانيون يعيشون تداعياته حتى اليوم. القصة بدأت في السابع من آب يوم تقاسمت "جبهة النصرة" مع "داعش" العسكريين، وتحدّثت عن "وضع خاص" لهم، ليتوالى بعد ذلك الضغط على أهاليهم وعلى الحكومة اللبنانية، ولتتوالى كذلك الإعدامات، التي بدأت مع العسكري علي السيد، ومن ثمّ عباس مدلج ومحمد حمية وأخيرًا علي البزال، علمًا أنّ السيد هو الوحيد الذي سُلّمت جثته إلى اللبنانيين.
الفراغ ملكًا على البلاد
وإذا كانت قضية العسكريين المخطوفين أظهرت "عجز" الدولة عن التعاطي الجدي والحكيم معها، بل اتُّهِمت الحكومة اللبنانية بالتقصير واللامبالاة والإهمال على هذا الصعيد، فإنّ "الفراغ" كان عنوان هذا العام على كلّ الأصعدة.
وعلى الرغم من أنّ تسلّم "الفراغ" لسدّة الرئاسة كان متوقعًا منذ العام الماضي، فإنّ كلّ الأفرقاء كانوا يصرّون في بداية العام على "الضحك على الذقون"، عبر القول تارة أنهم مع إجراء الإنتخابات الرئاسية في موعدها، وعبر التأكيد تارة أخرى على احترامهم للأصول الديمقراطية والنتائج التي تسفر عنها أيًا تكن.
هكذا، سقطت كلّ هذه الشعارات عندما دقّت "ساعة الجدّ"، ولم يكتمل نصاب مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية سوى في الفرع الأول من الجلسة الأولى في الثالث والعشرين من نيسان التي شهدت "مسرحية متقنة"، حيث صوّت معظم مكوّنات فريق الرابع عشر من آذار لرئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، في حين كانت "الورقة البيضاء" مرشحة قوى الثامن من آذار، في جلسةٍ لم تخلُ من بعض "المشاغبات" من خلال الأوراق الملغاة والتي وصلت إلى سبعة، والتي شكّلت بمجملها "رسائل سياسية" من الطراز الأول.
وعلى الرغم من تحديد ما يزيد على 15 جلسة، فإنّ "السيناريو" نفسه كان يتكرّر في كلّ مرّة، و"التمثيلية" نفسها تحدث مع عدم اكتمال النصاب، وهو "سيناريو" لم تنفع كلّ "المبادرات"، مع استكثار كلمة "مبادرة" على معظمها، في تغييره، ومنها على سبيل المثال اقتراح تكتل "التغيير والإصلاح" إجراء تعديل دستوري لتصبح الانتخابات من الشعب على دورتين، وكذلك اقتراح رئيس التكتل العماد ميشال عون تأمين النصاب بشرط حصر المنافسة بينه وبين جعجع، في حين كان الأخير يوافق على سحب ترشيحه شرط الاتفاق على اسم "توافقي".
الديمقراطية في ذمة الله
لم تنفع إذًا كلّ محاولات إنتاج رئيسٍ لبناني صُنِع في لبنان، خلفًا للرئيس السابق ميشال سليمان الذي غادر القصر الجمهوري في الرابع والعشرين من أيار، بعد أن فشل "سيناريو" التمديد له على غرار من سبقوه في الرئاسة. يقول البعض أنّ السبب في عدم الوصول للخاتمة الرئاسية المرجوة هو "طمع" كلّ القادة الموارنة في أن يكون المنصب من نصيبهم، في حين يقول البعض الآخر أنّ السبب لا يعدو كونه انهماك الخارج بأمور وأولويات غير لبنانية، وبالتالي فإنّ اللبنانيين معتادون على انتظار التعليمات الخارجية، وبالتالي فإنّ أيّ "دخان أبيض" لن يتصاعد قبل وصول "كلمة السر" الخارجية، باعتبارها وحدها القادرة على تغيير موازين اللعبة.
في مطلق الأحوال، فإنّ النتيجة الوحيدة هي أنّ "الديمقراطية" التي يتغنّى بها اللبنانيون ويتفاخرون بها كانت "الضحية"، وهي التي باتت في "خبر كان". وليكتمل السيناريو، كان التمديد للمجلس النيابي بمثابة "الضربة القاضية" لهذه الديمقراطية، إذ خرج النواب، الذين فشلوا في تحقيق "إنجاز" واحد على مدار العام، والذين لم يقوموا بالحدّ الأدنى من الواجبات المطلوبة منهم، لـ"يكافئوا" أنفسهم في الخامس من تشرين الثاني من خلال إقرار التمديد لأنفسهم لمدّة سنتين وسبعة اشهر حتى 20 حزيران 2017، ومن دون العودة إلى الشعب، صاحب الحق الحصري في اختيار ممثليه ومحاسبتهم. وإذا كان "التيار الوطني الحر" و"حزب الكتائب" وحدهما من قاطعا جلسة التمديد، في خطوةٍ وصفها كثيرون بأنها مجرّد "مزايدات"، فإنّ المفاجأة كانت في رفض المجلس الدستوري للطعن الذي تقدّم به "التيار الوطني الحر" في الثامن والعشرين من تشرين الثاني، وذلك "لعدم التمادي بفراغ المؤسسات"، كما علّل قراره.
الحكومة وُلِدت..
هكذا إذًا، كلّ الاستحقاقات في لبنان لقيت المصير نفسه هذا العام، إما التأجيل وإما التمديد. وحدها، الحكومة "نفدت بريشها"، فوُلِدت في الخامس عشر من شباط بعد "مخاضٍ" طويل رُحّل منذ العام 2013، الذي عجز رئيسها فيه عن تشكيل حكومة ترضي مختلف الأفرقاء. لكنّ الاتفاق على تشكيلتها حصل بعد "تفاهم" مثلته اللقاءات التي عقدت في الخارج بين رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ورئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، والتي ظنّ البعض أنها ستفضي لتفاهم رئاسي بقي بعيدًا عن الواقع.
وعلى الرغم من كلّ الشعارات التي رُفِعت قبل تشكيل الحكومة، والتي كان رفع السقوف طابعها الأبرز، فإنّ مختلف الأفرقاء اجتمعوا تحت لوائها، باستثناء "القوات اللبنانية" التي قرّرت البقاء خارجها انسجامًا مع مواقفها السابقة، وقد استلمت هذه الحكومة، كما كان متوقعًا، الصلاحيات المطلقة مع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان وعدم انتخاب خلفٍ له في الخامس والعشرين من أيار.
وإذا كان "العائق" الذي وقف وجه الحكومة هو تحديدها "التوافق" شرطًا أساسيًا لعملها، ما جعلها تعجز عن معالجة الكثير من القضايا الملحّة والحسّاسة، فإنّ ما يُسجَّل لهذه الحكومة دورها الذي لعبته في وضع "الخطة الأمنية" موضع التنفيذ، خصوصًا في عاصمة الشمال طرابلس، حيث وضعت حدًا إلى حدّ ما للأحداث الدموية التاريخية بين باب التبانة وجبل محسن، فيما كان لافتًا أداء بعض الوزراء في نهاية العام، خصوصًا مع حملة "الفساد الغذائي" التي أطلقها وزير الصحة وائل أبو فاعور، مسمّيًا مؤسسات مخالفة بأسمائها، وهو ما يأمل اللبنانيون أن يستمرّ، وأن يكون بعيدًا عن المحسوبيات والفئويات عن جدارة، وأن ينعكس على باقي الوزارات في الوقت نفسه، ليصبح "الإصلاح" فعلاً لا شعاراً فقط.
حواراتٌ لا تغني ولا تسمن
على صعيد الحوار الوطني، لم يحمل العام 2014 "إنجازاتٍ" تُذكَر، بل إنّ ما جرى من حواراتٍ لم يتعدّ "الصورة التذكارية" في أفضل الأحوال.
في مطلع العام، وقعت "القطيعة" بين "حزب الله" والرئيس ميشال سليمان، على خلفية حديث الأخير عن "معادلات خشبية"، في معرض حديثه عن معادلة "الجيش والشعب والمقاومة"، ما دفع الحزب بإصدار بيانٍ وُصف بـ"الناري" والأول من نوعه وذلك في الأول من آذار، اكتفى فيه بالقول أنّ "قصر بعبدا بات يحتاج الى عناية خاصة لأن ساكنه أصبح لا يميز بين الذهب والخشب". وقد انعكس هذا الخلاف على طاولة الحوار التي كان يحتضنها قصر بعبدا، إذ قاطعها الحزب، الذي يفترض أن يكون الأساس فيه كونه يتركز على "الاستراتيجية الدفاعية"، وتضامن معه "حلفاؤه" في قوى الثامن من آذار، فكانت جلسة الحوار الأخيرة في الخامس من أيار بلا طعم ولا لون بغياب كلّ قادة الثامن من آذار عنها.
وفيما لفت الحوار الذي دار بين الحريري وعون خلال العام، فإنّ العام انتهى على حوار "واعدٍ" بين "حزب الله" و"تيار المستقبل" عنوانه الأساسي تنفيس الاحتقان ومواجهة الفتنة المذهبية، وحوار آخر "موعود" بين رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، وهي حواراتٌ يُقال أنها لا تغني ولا تُسمن، إلا أنّ مجرّد حصولها يبقى إيجابيًا، بإجماع كلّ الأفرقاء.
دار الفتوى: حلحلة ومفتٍ جديد!
إلى دار الفتوى، التي شذت وحدها عن القاعدة خلال العام 2014. ففي وقتٍ بقيت الانتخابات الرئاسية "معلّقة"، و"جُمّدت" الانتخابات النيابية، وجدت انتخابات دار الفتوى طريقها للتنفيذ، رغم كلّ أجواء الشحن التي سبقتها، يوم أصبح المفتي السابق للجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني "محاصَرًا" من قبل أبناء طائفته، ويوم انقسمت الدار على نفسها في أزمةٍ غير مسبوقة، لم تسئ لأحد بقدر ما أساءت للطائفة السنية ورموزها.
إلا أنّ "الخاتمة السعيدة" وقعت، والفضل بطبيعة الحال كان للخارج، مع اتفاق إقليمي برعايةٍ مصرية، كما قيل، أسفر عن انتخاب الشيخ عبد اللطيف دريان مفتيًا جديدًا للجمهورية في العاشر من آب، بحضور ومشاركة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الذي "حطّ" في لبنان في الثامن من آب بشكلٍ مفاجئ، قبل أن يعود ويغادره بعد ثلاثة أيام "لإجراء مشاورات مع القيادة السعودية حول الهبة للجيش"، كما قال بيان مكتبه الإعلامي يومها، وهي مشاوراتٌ لم تنته بعد على ما يبدو.
امتحاناتٌ غير مسبوقة
إضافة إلى كلّ ما سبق، مفارقاتٌ كثيرة حملها العام 2014، لعلّ أهمّها الامتحانات الرسمية التي استحقّت لقب الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الجمهورية اللبنانية، فقد بقي "الغموض" يحيط بهذه الامتحانات منذ بداية العام، مع ربط هيئة التنسيق النقابية لها بسلسلة الرتب والرواتب، التي وُعِدت بها من قبل الطبقة السياسية منذ سنوات، وهي وعودٌ لم تترجَم عمليًا بطبيعة الحال.
هكذا، لم تجد هيئة التنسيق "سلاحًا" أمامها سوى مقاطعة الامتحانات الرسمية، لعلّها تستطيع بذلك الضغط على "أصحاب القرار"، لكنّ ذلك لم يحصل. تعاطى هؤلاء مع القضية وكأنّها آخر همّهم، ولم يتوانوا عن تصوير الأساتذة والمعلّمين وكأنّهم غير آبهين بالطلاب ومستقبلهم. وقف وزير التربية الياس بو صعب إلى جانب الأساتذة في بادئ الأمر إيمانًا منه بأحقية قضيتهم، ولكنه ضغط عليهم لمراقبة الامتحانات، لعلّه يضمن بذلك تمرير الاستحقاق.
حصل ذلك. وافقت هيئة التنسيق على مراقبة الامتحانات، التي جرت بعد أخذ وردّ في الثالث عشر من حزيران، على أن تقاطع التصحيح. هنا أيضًا، لم يشعر المسؤولون بالضغط، وبقيت الهيئة على قرارها، إلى أن أخذ الوزير بو صعب القرار "المُرّ" في السادس عشر من آب، حين أعلن أنه قرّر منح الإفادات لجميع طلاب الشهادات الرسمية بعد رفض هيئة التنسيق تصحيح الامتحانات.
النزوح السوري ومياومو الكهرباء.. قصة إبريق الزيت
وفي رزنامة العام 2014، ملفاتٌ مرحَّلة من العام الذي سبق، وفي مقدّمها ملفا النزوح السوري ومياومي مؤسسة "كهرباء لبنان"، وهما ملفان تحوّلا في هذا العام لما يشبه قصة إبريق الزيت.
بالنسبة للنزوح السوري، فإنّ هذا الملف شكّل "أولوية" دون شكّ، مع ارتفاع عدد النازحين لما يفوق طاقة لبنان بكثير، بشهادة من كانوا يصفون أصحاب هذا الخطاب سابقًا بـ"العنصريين"، علمًا أنّ عدد اللاجئين السوريين المسجلين في لبنان تخطى المليون في مطلع شهر نيسان. وقد دفع هذا الأمر الحكومة إلى اتخاذ قرار في الثالث والعشرين من تشرين الثاني يقضي بوقف النزوح السوري باستثناء الحالات الانسانية، بعد أن كان في الثالث والعشرين من أيار شكّل خلية وزارية برئاسة سلام لمتابعة ملف النزوح السوري.
أما ملف المياومين، فلم ينجح الاتفاق الذي تمّ إقراره مطلع العام في وضع حدّ له، حيث كمن "الشيطان" في "التفاصيل"، أو بالأحرى في "التطبيقات"، فعاد المياومون ليشعلوا الإطارات ويقطعوا الطرق في فتراتٍ متفاوتة من العام، قبل أن يعلنوا الإضراب المفتوح بكافة دوائر واقسام كهرباء لبنان ويطردوا العمال من المؤسسة ويحرقوا الاطارات، في العاشر من آب. وقد شهد هذا الإضراب حالة "عداء" بين المياومين وإدارة المؤسسة تخطّت كلّ الحدود، ليكون المواطن هو الخاسر الأول كالعادة، قبل التوصل لـ"اتفاق" في الخامس من كانون الأول، فُتِحت أبواب المؤسسة بموجبه، على أن يبقى قيد الاختبار في المرحلة المقبلة.
صحافة لبنان: شهداء.. واعتداءات
وكما في كلّ عام، كان للصحافة اللبنانية "نصيبها" خلال العام 2014، وبدت كمن لها في كلّ "عرس قرص"، على مختلف المستويات. بيد أنّ "الضريبة" كانت غالية جدًا هذا العام، مع استشهاد المراسل في قناة "المنار" الزميل حمزة الحاج حسن والتقني حليم علوه والمصور محمد منتش في معلولا إثر تعرضهم لكمين أثناء تغطيتهم الأحداث الدائرة هناك. وقد ضربت هذه الحادثة الجسم الصحافي اللبناني في الصميم، خصوصًا أنّ فريق "المنار" كان يقوم بواجبه بتغطية الأحداث ونقلها إلى المشاهدين.
ومن سوريا إلى الداخل اللبناني، لم تتوقف حوادث الاعتداء على الصحافيين والتعرّض لهم أثناء ممارستهم لواجبهم المهني، والتي كان آخرها تعرّض فريق قناة "الجديد" للاعتداء من قبل مجموعة تابعة للنائب نقولا فتوش في زحمة أثناء إعداده لتحقيق.
ومن الاعتداءات الجسدية إلى الملفات القضائية، حيث كان اللافت هذا العام تحول المحكمة الدولية المفترض بها كشف قتلة رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري إلى محاكمة الصحافيين بتهمة "تحقيرها"، وكأنّها يجب أن تبقى خارج النقد والمساءلة، وهو ما تجلى من خلال القضية التي رُفِعت ضدّ قناة "الجديد" وجريدة "الأخبار"، دون أن ننسى بطبيعة الحال قضايا "القدح والذم" التي تنشط بها المحاكم اللبنانية بشكل يومي، والتي كان لـ"النشرة" نصيبها منها مع القضية المرفوعة على رئيس التحرير جوزيف سمعان بقضية "تسريب معلومات" والتي أرجئ الحكم فيها إلى العام المقبل.
حين سقط الكبار..
وأخيرًا، لا يمكن لـ"التقرير السنوي" أن يكتمل من دون ان يذكر العمالقة والكبار الذين رحلوا دون استئذان، وفي مقدّمهم الفنانة الكبيرة والأسطورة صباح التي توفيت في السادس والعشرين من تشرين الثاني، والشاعر الكبير سعيد عقل الذي أسلم الروح بتاريخ الثامن والعشرين من الشهر نفسه، واللذين ودّعهما لبنان، وودّع معهما فصولاً لا تُنسى من "الزمن الجميل" الذي يكاد ينتهى ويتلاشى.
وقد فقد لبنان الكثير من الشخصيات البارزة في العام 2014، منهم العلامة السيد هاني فحص في الثامن عشر من أيلول، وكذلك رئيس مجلس شورى الدولة السابق القاضي يوسف سعدالله الخوري في السابع من شباط، دون أن ننسى عضو تكتل "التغيير والاصلاح" النائب ميشال حلو، ورئيس الحكومة السابق رشيد الصلح في السابع والعشرين من حزيران، والنائب العام الاستئنافي في الجنوب سميح الحاج في الأول من آب.
أمنياتٌ وآمالٌ..
في النهاية، ورغم سوداوية المشهد، يبقى هناك مجال لـ"فسحة أمل"، فسحة أمل بأن يقوى لبنان على كلّ الصعاب، بأنّ يتّحد شعبه ليواجه، ويلتفّ حول جيشه بوصفه الضامن الوحيد للأمن والاستقرار...
هي فسحة أمل تتطلب أولاً "ثورة بيضاء ناصعة"، ثورة في المفاهيم قبل كلّ شيء، ثورة تفتح المجال للحفاظ على لبنان التنوّع، على لبنان التعايش، وعلى لبنان الديمقراطية..
للاطلاع على تقرير الأحداث المحلية للعام 2014 وفق معادلة "كل يوم بيومه" اضغطهنا