قبل عام، عندما تكدّست النفايات في شوارع بيروت وضواحيها، كان الوجع عياناً. نزل الناس، بأعداد كبيرة، إلى الشارع. كادوا يحققون شيئاً، لكن، في النهاية، لم يحصل. لم يكن يحتاج أحدهم أن يكون مثقّفاً سياسيّاً حتى يغضب، مُفجّراً كلّ أوجاعه المعيشيّة الأخرى، فينزل، ويهتف، ويُقارع القوى الأمنيّة، إلى أن يُعتقل في النهاية.
المُهم، هل سينزل الناس، مجدّداً، يوم غد؟ هل مطلب إقرار قانون التمثيل النسبي في الانتخابات النيابيّة، على أهميّته بنيويّاً، قادر على تحريك غضب الناس؟ المقارنة بين ما حصل قبل عام، وبين ما سيحصل غداً، على مستوى الحضور الشعبي، أو الجماهيري، مبتوتة سلفاً. أن تفهم طبيعة المجتمع اللبناني، مزاجه واهتماماته، الثابت والمتحوّل، تجعلك تتوقع أن الشعب «لن يهب» كما يجب... مِن أجل النسبيّة. هذه حسابات الواقع. كثيرون مِن المنظّرين، بالمعنى الإيجابي هنا، يعرفون أن تخلّف قانون الانتخابات، يولّد ألف أزمة على شاكلة أزمة النفايات، وأن السلطة السافلة، بواسطته، ستعيد بنفسها إنتاج نفسها. يعرفون أن إصلاح القانون الانتخابي هو أصل الأصول في أيّ عملية إصلاح سياسي، في بلد ديمقراطي، كما يقال، أو أقّله بلد يتعاطى صناديق الإقتراع.
حسناً، كم «يَملك» هؤلاء العارفون من الشارع؟
على كل حال، حملة «بدنا نحاسب» (التي ولدت قبل عام مع أزمة النفايات) أطلقت، أمس، بالتعاون مع حملات وحركات ومنظمات أخرى، دعوة للتحرّك غداً مِن أجل إقرار القانون النسبي، عند الخامسة عصراً، في مسيرة تنطلق مِن منطقة البربير وصولاً إلى وسط بيروت. جاءت هذه الدعوة في مؤتمر صحافي عُقد في ساحة رياض الصُلح. عنوان الحراك: «النسبيّة تمثّلني». كان لافتاً أنّ الجهات المنظمة، وعلى مدى الأيام الماضية، كانت تنشر مقاطع مسجّلة على مواقع التواصل الإجتماعي، لمشاهير وفنانين وإعلاميين وحقوقيين وناشطين، يدعون الناس للمشاركة في التحرّك المُرتقب. الإعلامي جورج قرداحي، مثلاً، كتب على صفحته (فيسبوك): «هذه المبادرة الوطنيّة النقيّة، وهذه الصرخة الشبابية الرائعة التي تستحق أن ينضم إليها أكبر عدد من المواطنين الحقيقيين، الذين حان الوقت كي يتحركوا من أجل مواجهة دولة الفساد والسرقات والمحسوبيات والسمسرات والمافيات، وانتهاك حقوق الناس من جميع الطوائف». أغلب المشاهير الذين أطلقوا دعوات تشجيعية، لم يكونوا أمس في المؤتمر، الذي عقد وسط الشارع. لكن لا بأس، هذا مجرّد مؤتمر للدعوة، إنّما يبقى التعويل على يوم غد، الذي رجّح بعض الداعين أن يستمر في الشارع، وربما ينتهي إلى نصب خيام... حتى النصر.
تلخّص «بدنا نحاسب» دعوتها للحراك بالآتي: «يشوب نظام الإنتخاب الأكثري علّة عدم تمثيله العادل والصحيح لمجموع الناخبين، وتالياً لمختلف مكوّنات المجتمع، فإنّ الهدف الأساس لنظام الإنتخاب النسبي هو التمثيل الصادق والدقيق للأقليّات الناخبة، وذلك بالإستناد إلى نسبة الأصوات التي تحصّلها كل أقليّة».
الداعون إلى الحراك، حتى اليوم، إلى جانب «بدنا نحاسب»، هم المجموعات الآتية: «الشعب يريد إصلاح النظام»، «الحراك المدني الديمقراطي»، «المناضلون الأحرار»، «المعارضة الشعبيّة»، «لهون وبس»، «لجنة المعلمين المتعاقدين»، «نبض النبطية»، «لقاء الدولة المدنية» و»اتحاد الشباب الديمقراطي». الأسماء كثيرة والعناوين رنّانة و»ثوريّة». عموماً، يُسجّل هذه المرّة أن عنوان الحراك فيه الكثير من الأصالة والواقعية والسببيّة. هو سبب ما نحن ما فيه، أو أحد أهم الأسباب، هو المشكلة، أو مشكلة، ولكن الأكيد أنّه ليس مجرّد تصويب على «نتيجة». إنّه قانون الإنتخاب. إلى ماذا سينتهي الحراك؟ المسألة هنا لها علاقة بالأمل. هذه هي فقط. عبارة «هذا قدرنا الذي لا مفرّ منه» الواردة في بيان الحملة، أمس، تلخّص الحكاية.
أخيراً، تبقى الطائفيّة. ناموس الشر الأكبر في حكم هذه البلاد. رئيس مجلس النواب، نبيه بري، كان واضحاً جداً قبل عام، إذ، وعلى وقع الحراك الشعبي المتصاعد آنذاك، قال: «لولا الطائفيّة لكان هؤلاء الشبّان جرّونا مِن بيوتنا». ماذا تغيّر على مستوى الطائفيّة، عند الشعب اللبناني، العظيم جداً، عن السنة الماضية؟ هل ثمّة مَن سيجازف ليقول صرنا أفضل؟ هنا خلاصة المشهد. كلّ المشهد.