الحديث عن 7 آب 2001 وما شهده من احداث، يتطلع اليه اللبنانيون وفق مفهومين: سلبي كونه اعطى صورة بشعة عن التعامل القمعي مع مواطنين اعتمدوا المعارضة دون اللجوء الى السلاح، وايجابي كونه نجح في شدّ اواصر مختلف القوى المعارضة للوجود العسكري السوري في لبنان والوصاية السورية على السياسة اللبنانية.
15 عاماً على هذه الاحداث، لم تغيّر شيئاً في المسار اللبناني، الا امر واحد، وهو ان كل من كان مؤيداً للوجود السوري وداعماً له، ومشاركاً في تغطيته سياسياً وامنياً، تحول اليوم الى اكبر "المنظّرين" والمحاضرين في دروس الديمقراطية وحريّة التعبير والدفاع عن المواطن!
ويقيناً، لو عادت الساعة الى الوراء وعاد الغطاء الدولي للنفوذ السوري، او لو استبدل هذا النفوذ بسيطرة لدولة اخرى اياً كان اسمها، لوجدنا هؤلاء في الصف الاول للدفاع عن صاحب هذا النفوذ وتقديم الطاعة له. وعلى الصعيد الشعبي، ليس الأمر افضل حالاً، فبدلاً من إقامة اسس وركائز ثابتة لا تتزعزع ليبقى التضامن بين الشعب قائماً على الثوابت الجامعة التي تؤمّن للجميع حياة كريمة، سرعان ما تشتت الناس وباتوا اليوم، من اجل زعيم حزب او تيار، يتقاتلون في ما بينهم ويكاد بعضهم ان يفتعل بالآخر اكثر مما شهدته احداث العام 2001.
ما هي العبرة من الاحداث بعد كل هذه السنوات؟ من السهل القول ان الاوضاع مختلفة كليا عن السابق، فالسوريون باتوا خارج الاسوار اللبنانية (من الناحية العسكرية)، ونفوذهم السياسي آخذ بالانحسار ولكن خطرهم حاضر على النواحي الاقتصاديّة والماليّة والامنيّة، ولم يعد من الممكن لاحد ان "يقمع" الآخر في لبنان لحسن الحظ، وباتت القوى الامنية تحظى بتأييد عارم خصوصاً في مواجهتها للارهاب. اما القاسم المشترك بين اليوم ومثله منذ 15 عاماً، فيبقى ان لبنان لا يزال ضمن الوضع نفسه لجهة عدم استقلالية القرار، وعدم التفاهم على ما من شأنه تأمين السلامة والاستقرار على الساحة اللبنانية.
بقي الانقسام في لبنان على الصعيد الافقي، وها هم السياسيون وخلفهم من يؤيدهم، يعقدون اللقاءات والجولات الحوارية واحدة تلو الاخرى دون اي امل في احداث خرق ولو بسيط لاعادة الامور الى نصابها الطبيعي. وليس فشل الحوار الثلاثي الذي عُلّقت عليه بعض الامال، الا تجسيد لهذا الانقسام، فما علق في السلّة المتكاملة التي تحدث عنها رئيس مجلس النواب نبيه بري، سوى خيط رفيع يتعلق بقانون الانتخاب وهو في افضل الاحوال سيكون نسخة منقّحة عن قانون الستين الانتخابي، فيما تشكيل مجلس شيوخ دونه عقبات كثيرة تبدأ بكيفية تقسيمه ولا تنتهي بأسماء المشاركين فيه وصلاحياته وكيفية ادارته وما الذي سيعيق ممارسته لاعماله.
لم نتعلّم الكثير مدة 15 عاماً، ولكن ما نعرفه بالفعل هو اننا لا نزال نتبع المسار الدولي الموضوع لنا، ونخوض غماره تحت كل الظروف مهما كانت صعبة، أكانت امنية او عسكرية او سياسية او اقتصادية، وبدل الانتفاض عليها بيد واحدة وبصوت واحد، نزيد من الانقسام والفراق ونرضى بما كتبه الخارج لنا. هذه آفة اللبنانيين التي لا يبدو انهم سيخرجون منها قريباً، فلا القمع ولا الحرية ولا الضيق ولا الرفاهية ولا الارهاب ولا الاستقرار الامني نجحوا في توحيده على كلمة سواء لمدة طويلة، فكانت تحالفاتهم تتقوّض وتنهار بعد كل فترة، وامام اول عقبة تعترض طريقهم، فيضحون بكل جهود التفاهم والصعوبات كرمى لعيون هذا او ذاك من المسؤولين.
لم تعلمنا احداث 7 آب 2001 شيئاً، ولم تغيّر في نفوس المسؤولين او المواطنين، ومن عانى من نتائجها، فرض عليه ان يتأقلم معها وكأنها مرض اصيب به. من الصعب جداً ان نشهد 7 آب آخر، وفق ما تشي به الظروف السياسية في المنطقة، ولكن من الاصعب فعلاً رؤية اللبنانيين يتّحدون على امر يصب في النهاية لمصلحتهم ومصلحة بلدهم.