ليست داريا كباقي المدن السوريّة، فمنذ بدايات الحرب وهي صاحبة الصيت الأكبر للمعارك في دمشق. دخلها الجيش السوري أول مرة في آب 2012 بعد تفجير الأمن القومي لينسحب منها بعد طرده المسلحين الّذين عادوا بسرعة اليها، وفي سنة 2013 أصبحت داريا إحدى أبرز عقد الجيش السوري حول العاصمة دمشق.
أهميّة هذه المدينة ليست فقط لكونها كبيرة وقريبة من العاصمة، بل ايضا لقربها من مطار المزّة العسكري وبعض مؤسسات الدولة السوريّة، ولربطها مناطق عدّة ببعضها البعض في الغوطة الغربيّة، كما انها منصّة لإطلاق قذائف الهاون على العاصمة الّتي تهدّدها بشكل دائم، اضافة الى أنها تجمع اعدادا كبيرة من المقاتلين داخلها.
لم يكن الاتفاق على خروج المسلحين من داريا سهلا على الجميع، إذ ان المعارك كلّفت آلاف الضحايا، وبقيت بين كرّ وفرّ منذ عام 2013 حيث تمّ ابعاد المسلحين عن الأوتوستراد الرئيسي للعاصمة (المحلق الجنوبي)، لتتواصل المعارك المتقطّعة حتّى العام الماضي الى أن أنجزت مصالحة المنطقة المحاذية لها في بلدة المعضميّة.
في اوئل عام 2016، اتخذت القيادة السورية قرارا بإنهاء الوجود المسلح حول العاصمة، وكانت الخطّة واضحة تقضي بقطع الإمداد عن المسلحين من نقطتين رئيسيتين في المعضمية ومزارع داريّا، وفعلت القوات السورية ذلك بفصلهما في ايار الفائت وسيطرت على المزارع آنذاك التي خزان المسلحين للإمداد بالخضار والقمح والمياه مما جعل المسلّحين بعدها للاتكال فقط على ما ترسله الأمم المتحدة من سللٍ غذائية وبدأ العد العكسي لسقوطها.
في هذا السياق، أكّد ضابط ميداني كبير لـ"النشرة" ان الجيش كاد ان يفصل داريا قسمين وكان على بعد ثلاثمئمة متر، مما كان سيؤدي الى حصر المسلّحين في بقعة لا تزيد عن كلم واحد، ليصبحوا تحت ضربات كافة الوسائط النارية وبعيدا عن المباني التي يقطنها الأهالي، الا أن المسلحين حرّكوا لجان المصالحة واعلنوا موافقتهم على أي شروط للخروج من داريا، بعد ان ضاقت بهم سبل وصول الدعم او تحريك الجبهة الجنوبية للتخفيف من حدّة المعارك، واشار الضابط الى ان المسلحين لم يعد لديهم ما يكفيهم من الذخائر حتى المتوسط منها، واصبح اتكّالهم فقط على الرشّاشات الفرديّة مع وجود دبّابتين وعربات مدرّعة لكنهم من دون امتلاك المازوت والذخيرة لتشغيلهم مما اضطرّهم للاستسلام تحت الامر الواقع.
في اليوم الاول لخروج الأهالي والمسلحين انكشفت كامل التفاصيل، فطلب عدد لا بأس به من المسلحين الذهاب الى إدلب معهم عائلاتهم، لكن المفارقة ان أضعاف اعدادهم من الاهالي مع ابنائهم ظهروا بصحّة جيّدة وطلبوا العودة الى كنف الشرعية السوريّة، وتسوية اوضاعهم والسكن موقتا في مراكز إيواء لحين عودتهم الى مدينتهم، وكان لافتًا في حديثهم كيف احتجزهم المسلّحون ومنعوهم من مغادرة المدينة.
ما بعد داريا، المضعميّة بانتظار تسوية مشابهة لها لتخلو الغوطة الغربية من المسلحين، ويتفرغ المقاتلون للمرحلة المقبلة وهي جوبر. وما هو بعيد عن الاعلام ان دوما معقل المسلّحين في ريف دمشق اصبحت شبه محاصرة من الاتجهات كافة، ممّا يعني في الحسابات الاقليمية خسارة ورقة ضغط جديدة للسعوديّة اذ يسيطر على عليها "جيش الاسلام" المدعوم سعوديًّا ووفي حال سقوطها تصبح العاصمة دمشق ومحيطها آمنا بالكامل.