لا حل سياسي في سوريا ولا اتفاق روسي اميركي سينفذ على الارض. الطائرات الاميركية اسقطت الاتفاق ومعه الهدنة، واطلقت من جديد جولة جديدة من العنف، لكن شكلها سيكون مختلفًا هذه المرة. اربعة جيوش على الارض في حلب روسي-ايراني-تركي-اميركي بالاضافة الى الجيش السوري الاحتكاك ممنوع حتى الان اذ ان الفصائل المسلحة لاتزال تفصل القوة الكبرى عن بعضها وتلعب معها داعش دورا مثيرا للاهتمام في المرحلة المقبلة، وفي الواقع لا احد من الاطراف يريد الحل السياسي او يراه قريبا، لا الجيش السوري وحلفاؤه ولا المجموعات المسلحة، والولايات المتحدة التزمت ببنود غير قادرة بعد على تنفيذها، وابرزها فصل المجموعات المسلحة عن جبهة النصرة او تصنيف المجموعات ارهاببة او معتدلة، لا بل دخلت مباشرة وقصفت القوات السورية وثبتت نقاطاً لها في الشمال السوري.
في القراءة السورية للاتفاق الروسي-الاميركي، ترى القيادة السورية ان موسكو ومعها دمشق جادتان في البحث عن حل لكن الادارة الاميركية تحاول شراء الوقت ليس الا واستنزاف القوات الروسية، والجدية في ايجاد الحل لا تعني البحث عن الحلول السياسية، فالتجربة والاختبارات اثبتت للقيادة السورية ان مع كل انتصار ميداني كانت الشروط والمطالب الدولية والاقليمية تتراجع وما ربحه الرئيس بشار الاسد في الميدان لن يخسره في السياسة. في عمق العقلية السورية ان لا حل مع اولئك المسلحين ولا شراكة معهم، والحل لن يكون الا بالانتصار الميداني ومن بعده يأتي الحل السياسي وغير ذلك تراه القيادة مضيعة للوقت. اما المجموعات المسلحة فهي واضحة بانها لا تريد الحلول السياسية لان لا مكان لها في التسوية وستسقط امام مقاتليها وامام شعاراتها الداعية لاسقاط الرئيس الاسد في حين ان الحل سيكون معه وبرئاسته.
وعلى الرغم من القناعات السورية، تجاوبت القيادة مع النصائح الروسية والتزمت بالاتفاق واوقفت العمليات العسكرية وسحبت القوات من طريق الكاستيلو لادخال المساعدات الى احياء حلب الشرقية، لكن جبهة النصرة المتضرر الاول من الاتفاق عرقلت تنفيذ البند الاول منه عبر فرض شروط للسماح للقافلة بالعبور بالاضافة الى وضع الجيش السوري علامات استفهام كبيرة حول محتويات القافلة. دمشق نجحت في الاختبار ونفذت ما عليها لكن الخلافات الاميركية الداخلية اطاحت بالاتفاق واعادت الكرة الى الميدان.
حتى الان، لا مؤشرات على الارض اين ستبدأ المعركة. قبل ايام كانت الخطط والتحضيرات تجهز لفك الحصار عن دير الزور، لكن الغارات الاميركية قلبت موازين القوة، وتقول مصادر ميدانية في دير الزور ان تغييرات على صعيد القيادة العسكرية في الدير اتت اكلها اذ بدت التحصينات ومعنويات العناصر اعلى، وكان العمل جارياً باتجاه استعادة السيطرة على بعض النقاط لفتح الطريق امام معركة فك الحصار، وهو ما تراه المصادر احد اسباب الغارة الاميركية، ولفتت الى وجود تنسيق بين داعش والطائرات اذ تم التقاط أكثر من مكالمة تؤكد التنسيق كما ان التنظيم الارهابي على غير عادة لم يستخدم أي مضادات جوية يوم تنفيذ غارة التحالف رغم أن التنظيم عادة ما يستهدف مروحيات الجيش عند اقترابها من دير الزور، وبالتالي فانه مع ابتعاد معركة فك الحصار عن الدير فالمرجح ان تشتعل المعارك في حماه لاستعادة الجيش زمام المبادرة في المنطقة.
اما في حلب فالمعركة ستأخذ ابعادا مختلفة والمتوقع وصول تعزيزات جديدة لحلفاء الجيش السوري، فيما معركة تركية لوقف التمدد الكردي مستمرة عبر دفع المجموعات المدعومة منها باتجاه القوات الكردية في محيط منطقة الباب ومنبج، في حين تحاول القوات الاميركية رسم حدود المعركة عبر دخولها الى بلدة الراعي التي تركها تنظيم داعش للمجموعات المسلحة المقاتلة ضد الاكراد، وبعيدا عما يجري ما بين الاتراك والاكراد معركة السباق باتجاه الرقة حيث ثبتت القوات الاميركية نقاطاً لها في تل ابيض البعيدة فقط 80 كلم عن مدينة الرقة في حين ان القيادة السورية تضع في اولوياتها سبق الجميع الى الرقة في حال فتحت المعركة.
وما بين السباق الى الرقة والدخول الاميركي المباشر بدأ الحديث في الاعلام السوري بعد الغارة على دير الزور عن احتلال اميركي ومقاومته، وبالواقع لا يريد السوريون التصعيد مع الولايات المتحدة لكن المؤشرات تفيد ان عجز المجموعات المسلحة على تحقيق انتصارات يمكن ان يضطر القوات الاميركية على تنفيذ مهمات في الشمال السوري، وهو ما لن يقف السوريون مكتوفي الايدي حياله، وان استدعى الانتظار بعض الوقت ريثما يلتقط الجيش انفاسه.