لا يزال التفجير الإرهابي الذي إستهدف الكنيسة البطرسيّة في القاهرة، يسطير على المشهدين المصري والإقليمي، خصوصاً أنه جاء بالتزامن مع الإحتفالات بعيد المولد النبوي الشريف، وفي سياق سلسلة من الأحداث الأمنية التي عرفتها مصر في الفترة الأخيرة، الأمر الذي يؤشّر إلى خطورة الأحداث في هذه الدولة، التي لا تزال تعيش على واقع الإنقسام السياسي والظروف الإقتصادية الصعبة، منذ إسقاط الرئيس السابق محمد حسني مبارك.
على الساحة السياسيّة، تنوعت الإتهامات بين مختلف القوى المصرية، بين من رأى أن تنظيم "الإخوان المسلمين" يقف وراء عملية التفجير، ومن يعتبر أن النظام الحالي، برئاسة عبد الفتاح السيسي، هو من دبّرها بغرض الإستفادة منها بطريقة أو بأخرى، لكن الأكيد هو سقوط ضحايا من المدنيين ضمن لعبة خطيرة تعزف على وتر الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط.
في هذا السياق، يعتبر الخبير العسكري والإستراتيجي المصري اللواء جمال مظلوم، في حديث لـ"النشرة"، أن إستهداف الكنيسة البطرسيّة يأتي في إطار ما يحيط بالبلاد من ضغوط سياسيّة وإقتصاديّة وأمنيّة، ويلفت إلى أن الجماعات الإرهابيّة تستهدف مصر ولا تريد أن تقوم لها قائمة، في حين كانت هناك جهود كبيرة لمحاربة الإرهاب في سيناء من قبل الأجهزة الأمنية في الفترة الأخيرة.
ولا يستبعد اللواء مظلوم تورّط بعض الجهات الخارجية في مثل هذه الأعمال، عبر القول أن الضغوط الأخيرة لم تؤدِّ إلى إنهيار الدولة كما كانوا يتوقّعون فعمدوا إلى إستهداف الوحدة الوطنية، ولا يرى أن هناك تقصيراً من القوى الأمنيّة، نظراً إلى أنّ مصر مساحتها كبيرة والمواجهات شديدة، بالإضافة إلى أن المسؤوليات الملقاة على عاتق تلك الأجهزة كبيرة.
من جانبه، يضع أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة، في حديث لـ"النشرة"، الجريمة في إطار تصاعد ظاهرة الإرهاب عموماً وإستمراره في مصر على وجه الخصوص، لكنه يلفت إلى أن الجديد هو إستهداف أهمّ كنيسة في مصر تقع بالقرب من المقرّ البابوي.
ويشير الدكتور نافعة إلى أن هذا الإستهداف يعكس قصوراً أمنياً واضحاً، حيث لم يصدّق أحد أنه يمكن لشخص إنتحاري أو سيدة تحمل قنبلة الدخول من باب الكنيسة بهذا الشكل، ويؤكّد أن هناك إهمال واضح لكن الأجهزة الرسميّة لا تريد تصديق هذا الاحتمال، الأمر الذي أشعر المصريين بقلق، لكنه لن يؤدي إلى ضرب الوحدة الوطنية لأنها صلبة للغاية.
المبادرة السياسية
على هذا الصعيد، يشدّد اللواء مظلوم على أن الدولة المصرية تبحث في كيفيّة معالجة هذه الأخطار، ويعرب عن تفاؤله كرجل عسكري بالمرحلة المقبلة، ويتمنى أن يكون هناك تعاون إقليمي ودولي مع بلاده لمكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى إبتعاد الدول التي لا تريد الخير لمصر عنها، ويضيف: "هناك دول كبيرة ومتقدّمة أكثر منا حصل فيها ما هو أسوأ، ونحن نحتاج إلى صبر المواطنين وتعاونهم مع الأجهزة الأمنيّة لتنفيذ ضربات استباقية".
وفي حين يرى الخبير العسكري والإستراتيجي المصري أنه من المبكر الحكم على حدوث اختراق داخلي أدى لوقوع الهجوم الإرهابي، توقّع أن تزيد الأجهزة الأمنية من منسوب اليقظة وتوجيه هجمات استباقية بقدر الإمكان.
بدوره، يعتبر الدكتور نافعة أن ما يزيد من خطورة هذا الحادث هو تدهور الأوضاع الإقتصادية بالإضافة إلى حالة الإستقطاب السياسي، في وقت يتقلّص فيه مناخ الحريات، ويضيف: "عندما يضرب الإرهاب يعني أن الملف الأمني مفتوح والمواطنين ليسوا بمنأى عن هذه الجرائم، وبالتالي الوضع الأمني غير مستقر".
ويرى نافعة أن هناك عدّة رسائل وراء هذه العملية، الأولى أن المنظمات الإرهابيّة لها يد عليا وتستطيع الوصول، أما الثانية فهي أن النظام الذي يعتبره الشعب قوياً غير قادر على التحسّب ومنع هذه العمليّات، والثالثة هي أنّ المعارضة، لا سيّما الإسلاميّة منها، مستمرّة في إستنزاف هذا النظام ولن تدعه يهدأ، ويعتبر أن على السيسي استخلاص الدروس، والعمل على تحصين مناعة الشعب بمبادرة سياسيّة، ويؤكّد أن المطلوب لمّ الشمل بطريقة تؤدّي إلى تقوية كل التيّارات التي ترفض الارهاب، وتعطي هامش المشاركة لمن لم يحمل السلاح ضدّ الدولة ولم يحرّض، لكنه يعرب عن أسفه لتواجد بعض الرموز السياسيّة التي لا علاقة لها بالإرهاب تدخل السجون، وهذا إخفاق سياسي.
في المحصلة، الأوضاع المصرية في الظروف الراهنة لا تبشّر بالخير، والمطلوب مبادرة سياسيّة تساعد على رفع مستوى مناعة الشعب على تجاوز كافة المخطّطات لا سيّما الفتنويّة منها.