تخوض المملكة العربية السعودية، ولأول مرة منذ عقود، مواجهة عسكرية مباشرة في اليمن، بلغت كلفتها مليارات الدولارات، وتتواجه سياسيا مع ايران في معظم مناطق دول المشرق العربي والخليج، وتمرّ علاقاتها بالولايات المتحدة الاميركيّة بأزمة صامتة بسبب القانون الذي أقره الكونغرس الاميركي، والذي يسمح بملاحقة مسؤولين حكوميين سعوديين تثبت عليهم تهمة علاقاتهم ببعض الذين شاركوا في عملية 11 ايلول الإرهابيّة.
لكن أسوأ ما تواجهه المملكة يعود الى الازمة الاقتصادية بسبب انخفاض سعر النفط، حيث يعتقد خبراء سعوديون ان الاقتصاد السعودي سيعاني كثيرا خلال السنوات الخمس المقبلة، نتيجة النقص في المداخيل، وزيادة المصاريف، محذرين من ايام صعبة، على المواطن السعودي، وعلى الشركات والوافدين من عمال ومستثمرين.
ويقول هؤلاء الخبراء ان دخل المملكة العربية السعودية في العام 2016 بلغ حوالي 529 مليار ريال سعودي، وان رواتب موظفي الدولة تصل الى 480 مليار ريال سنويا، مما يعني ان مداخيل النفط بالكاد تكفي لدفع الرواتب.
ويرى هؤلاء ان اجمالي ايرادات المملكة وصلت الى حوالي 730 مليار كايرادات متفرقة، وهي كافية للرواتب، لكنها غير كافية للصيانة والتشغيل التي تكلف 200 مليار ريال، واذا ما أضفناها الى الرواتب سيكون المجموع قرابة 700 مليار ريال سنويا.
وفي ظل هذه الأرقام، يقول الخبراء ان المملكة لم تصرف اي ريال على المشاريع، لانه اذا أرادت ذلك فإنّ أيّ مشاريع جديدة يعني انها بحاجة الى اكثر من 700 مليار ريال وهي غير متوفرة.
ولذلك يعتقد هؤلاء انه لا يوجد امام المملكة اي خيار آخر سوى ان تبدل من سلوكها، وتتخذ قرارات برفع الدعم، وفرض بعض الرسوم، وان هذا الخيار سيكون مؤلمًا جدا، ولكن عدم اقرارها يعني ان اقتصاد المملكة سيواجه وضعا أشد ايلاما على الجميع، خلال السنوات المقبلة، بدءًا من المواطن، مرورا بالمؤسسات والشركات وايضاً على الوافدين.
ويضيف الخبراء، لذلك على السعوديين التعامل مع هذا الأمر، وتوقع هؤلاء انه وحسب الأرقام المعلنة في برنامج تحقيق التوازن، سيصل ما ستجنيه الحكومة من رسوم ورفع الدعم لأكثر من 300 مليار ريال، وان هذه المليارات ليست مصدرا للدخل وليست دولارات جديدة ولكنها ستأتي من داخل الاقتصاد السعودي.
ويلفت الخبراء الى وجود برنامج لدى الحكومة السعودية لتخفيف الالم عن الطبقات الفقيرة، سيكلفها حوالي 70 مليار ريال، لكن حتى لو نجح هذا البرنامج فإن غالبية المواطنيين السعوديين سيتأثرون سلبا من هذه الإجراءات.
وتوقع هؤلاء بأن تصعب أكثر فاكثر الاوضاع الاقتصادية وستسبب تباطؤًا حادًّا في النمو الاقتصادي، مع ما سيرافق ذلك من اقفال لشركات كثيرة، خصوصًا بعد رفع الدعم ووضع رسوم على العمالة، كما ان معدل مستوى المعيشة لدى المواطن سينخفض، اضافة الى أنّ القوة الشرائية ستنخفض على الأقل 30 في المئة، وهذا بدوره سيلحق ضررا بالقطاع الخاص، لانه في حال حصولها، فإن الحركة في القطاع الخاص لا بد وان يتأثر بالوضع المأزوم.
ويرى هؤلاء انه وبسبب هذا التصور للاوضاع الاقتصادية فإنّ أعدادا كبيرة من الوافدين ستغادر السعودية، ويقدر عددهم بحوالي ثلاثة ملايين وافد في السنوات السنوات المقبلة، وسيرتفع معدّل البطالة، حيث سيجد الخريجون الجدد صعوبة كبيرة في ايجاد وظائف.
وخلص الخبراء الى الاعتراف بان هذا هو الواقع، وانه اذا ما استوعبت الحكومة هذه الحقائق وتعاملت مع هذه المعطيات بالطريقة الصحيحة، فإن سلوك المواطن السعودي المالي يجب ان يتغيّر في الفترة المقبلة.
وتجدر الاشارة الى أن صحيفة "الفايننشال تايمز" اللندنية قد ذكرت في وقت سابق انه بالرغم من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها المملكة العربية السعودية، فإن مسؤولين كبار فيها لم يغيّروا من سلوكهم في ما يخص عمليات الصرف وشراء الكماليات الباهظة الثمن.