لن ألعَنُ المؤسّسات الإعلاميّة "الفاسِقَة" برأي المُشاهدين، ولن أُطَوِّب المُشاهدين "الأتقياء" برأي المؤسّسات الإعلامية. لَن أدعو إلى "رقابَةٍ"، تقذفنا إلى خارج التاريخ والجغرافيا وتُعيدنا إلى بدايات الجَهل، ولَن أَقبل، في الوقت نفسِه،"تَفَلُّتاً" يسخَرُ من الحُريّة. لن أنقاد إلى نَقدِ المُنتَقِدين ولا إلى طُرِق طَرقِهم، إن جاز التعبير، ولكنّني لَن أرضى بدفاع المُنتَقَدَين وطُرُقِ طَرقِهم أيضاً. وما بين التضييق والتخفيف، سأختار التخفيف، وما بين التشديد والتسهيل سأختار التسهيل، ولكنّني لن أرضى بأن يكون الكُلّ كالكُلّ، الفضيلةُ كالرذيلَةً، القباحةُ كالجمال، السّاقط كالرّاقي، المُحرّم كالمسموح، والطبيعي كالمنحرف.
تلك مُسَلّماتٍ لن أقبل بالتنازل عنها، أضف إليها أنني لن أقبل بالإستخفاف بعقولنا والتسليم بالتالي بمقولة "الريموت كونترول"، تلك التي أتى بها بَعضٌ من السياسيين والإعلاميين، دفاعاً عن المضامين السّاقطة والحريّات الخادشة والخارِجة عن أُصول اللباقة الأدبيّة. فالفضاء الذي سُلِّمَ إلى المؤسّسات الإعلامية لتَبُثَّ من خلاله، بموجب تراخيص من الدولة اللبنانية التي تحكم باسم الشعب اللبناني، لَم يُعطَ لها لكي تنقضّ على قدسيّة الشرائع الأدبية وحقوق الإنسان وكرامته، ولا للتلاعُب بشخصيّته وضميره، ولا للّعِب على أوتار الطائفية وإثارة النعرات على اختلافها،ولا لِنَكىء الجِراح، ولا للقدح والذّم والتشهير وفضح الحُرُمات، ولا للكذب والتضليل، ولا للإنقضاض على المُحرّمات، بل للدفاع عن الحق وتعزيز الثقافة والخير العامّ، وتوحيد البشر حول مفاهيم العدالة والحقيقة والمودّة والتضامن والسلام، وبُنيان الروابط الإنسانيّة والإجتماعية والسياسية والإقتصادية، وذلِك في ممارسة رشيدة للحريّة والمسؤوليّة، وبهذا يرتبط حقّ امتلاكها. هذه هي رسالةُ الإعلام الذي من المفترض به أن يكون صادقًا على الدوام وكاملاً، وخارِج هذا المنطق، لا لزوم له البتّة.
أمّا مانشهده في الوقت الحالي،من أزمة في الإعلام اللبناني، فمرَدّه باعتقادي،لا إلى عدم الكفاءة، بل إلى فقدان الهوية الإعلامية التي تُحدّد الغاية والهدف وتُشكّل المبادئ والأُسُس التي تكوّن الشخصيّة الإعلامية، والتي وللأسف الشديد، شوّهتها الرغبة الجامحة في جني الأرباح ولو على حساب الإنسان وكرامته وحياته وأخلاقه وضميره. ولن تستقيم الأمور ما لم يَعُد الإعلام إلى الإعلاميين، فنشعر من جديد بقوّة الخير الفائضة منهذه "الوسيلة النبوية" والفاعلة في التاريخ والأحداث والأشخاص بشكلٍ إيجابيّ.
وما بين "الريموت كونترول"، "وكونترول" الضمير، حَريٌّ بمؤسّساتنا الإعلامية أن تعمل على الثانية، لأنَّ الرغبة في التغيير وتطوير الشعوب، لا تقوم على تفريغ الأدمغة وتسطيح العقول والتلاعب بالشخصية والهوية، ولا تَصحُ في وجودِ ضميرٍ ملتوٍ يستعرِضُ قواه في برامج هدّامة، بل في تأييد ثقافة البُنيان والتلاقي والأخوّة والخير والحُبّ والجمال.