يُبدي فريق من السياسيين تشاؤماً إزاء مستقبل الأوضاع الداخلية اللبنانية، اعتقاداً منه أنّ المشهد الذي أنتجَ التسوية في الإقليم وأدّى إلى إنجاز الاستحقاق الرئاسي بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول الماضي، لم يعُد هو نفسُه الآن لكي يُنتج اتّفاقاً قريباً على قانون الانتخاب العتيد وإنجاز الاستحقاق النيابي.
ويستَدِلّ هذا الفريق إلى ذلك من مهلِ الانتخاب التي سقطت، أو أُسقِطت، ولم يحصل أيّ تطوّر إقليمي، أو حتى داخلي، يمنع سقوطها ويتيح إجراء الانتخابات في موعدها 21 أيار المقبل أي قبل انتهاء ما تبَقّى من ولاية المجلس الحالي الممدّدة أصلاً في 21 حزيران.
وفي اعتقاد هذا الفريق أنّ الوضع في المنطقة بدأ يتّخذ منحى آخر في ظلّ سؤال كبير جوهري ومزدوج هو: هل إنّ الأميركي والإسرائيلي يأتيان إلى التفاوض في الملفّات الأساسية في المنطقة على أساس أنّهما مراقبان أم شريكان؟ وإذا قرّرا أن يكونا شريكين كيف يمكن أن تكون شراكتهما؟.
وينطلق هذا الفريق من هذا السؤال إلى تأكيد وجود «تفاهم أميركي ـ إسرائيلي في العمق» وعلى أساس خريطة طريق تُبنى لبنةً، لبنة، على التعاطي مع مستقبل الأوضاع في المنطقة، ويرجّح أنّ بعض الدول يعرف جزءاً من هذه الخريطة.
ولذلك يرى الفريق نفسه أنّ لبنان قد يدخل في مراوحة وعملية تقطيع في الملفّات، فيما سيعود المشهد الإقليمي إلى أماكن أخرى، ذلك أنّ الأميركي والإسرائيلي يركّزان في هذه المرحلة ومنذ توَلّي الإدارة الاميركية الجديدة مهمّاتها على النفوذ الإيراني الذي يَريانه يتعاظم في كلّ مِن لبنان وسوريا والعراق واليمن، ويؤشّر إلى ذلك المواقفُ الاميركية التي تدعو إلى مواجهة هذا النفوذ الذي كان في صلب محادثات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبقيّة المسؤولين الأميركيين مع ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان خلال الأسبوع الماضي في واشنطن.
ولذلك تتّجه الأنظار إلى القمّة العربية التي ستنعقد في العاصمة الأردنية عمان في 29 الجاري، وما سيَصدر عنها من موقف إزاء إيران، حيث إنّ كلّ المعلومات تشير إلى أنّ بيانها الختامي سيتضمّن موقفاً يهاجم طهران ويتّهمها بالتدخّل في شؤون الدول العربية، وهذا الموقف ربّما لقِيَ معارضة بعضِ الدول وتحفُّظَ البعض الآخر عنه.
وحسب بعض المعطيات، فإنّ لبنان حدّد الموقف الذي سيتّخذه في هذا المجال من خلال الخطاب الذي سيُلقيه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمام القمّة أو خلال محادثاته مع من سيلتقي من ملوك ورؤساء عرب.
ويُنتظر أن يكون هذا الموقف على غرار الموقف الذي اعتمده رئيس الحكومة السابق تمّام سلام، وقبله الرئيس نجيب ميقاتي من «نأي بالنفس» عن الأزمات التي تشهدها المنطقة، خصوصاً أنّ عون كان قد قال في «خطاب القسَم» إثر انتخابه: «إنّ لبنان السائر بين الألغام لا يزال بمنأى عن النيران المشتعلة حوله في المنطقة.
ويبقى في طليعة أولوياتنا منعُ انتقال أيّ شرارة إليه. من هنا ضرورة ابتعاده عن الصراعات الخارجية، ملتزمين احترامَ ميثاق جامعة الدول العربية وخصوصاً المادة الثامنة منه، مع اعتماد سياسة خارجية مستقلّة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي، حفاظاً على الوطن واحة سلام واستقرار وتلاقٍ (...)».
ويؤكّد مطّلعون في هذا المجال أنّ عون سيحاول تغليفَ هذا الموقف بشيء من التوضيح غير المباشر لمواقف سابقة اتّخَذها قبل زيارته لمصر إزاءَ سلاح حزب الله والمقاومة ولم تلقَ صدى إيجابياً لدى بعض القوى السياسية الداخلية وبعض دول الخليج، وقيل يومَها إنّ هذا الموقف وَلّد «نقزة» لدى هذه الدول التي وجَدت فيه ما تعتبره «خروجاً» على «تعهّدات» قطعَها لها خلال زيارته للرياض والدوحة في كانون الثاني الماضي.
ويضيف هؤلاء أنّ وجود رئيس الحكومة سعد الحريري إلى جانب عون في الوفد اللبناني إلى القمّة العربية سيساعد على إعادة تنقية الأجواء بين لبنان ودول الخليج. وكشفوا في هذا المجال أنّ عون ألحَّ على الحريري ليرافقَه إلى القمّة، فنزلَ الأخير عند رغبته.
حيث ستكون لهما على هامش القمّة لقاءات مع بعض الملوك والرؤساء العرب، خصوصاً أنّ القمّة وما يتوقّع أن ينتج عنها كانت في صلب محادثات كلّ منهما الاخيرة مع الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي في القاهرة.
ويعتقد سياسيون أنّ إعادة ترميم الصفحة الجديدة من العلاقات التي فتِحت بين لبنان ودول الخليج إثر زيارة عون للمملكة العربية السعودية وقطر خلال كانون الثاني الماضي، من شأنها أن تنعكس إيجاباً على المعالجات الجارية للقضايا الداخلية بدءاً بقانون الانتخاب العتيد الذي ينتظر أن تنشَط الاتصالات في شأنه بعد قمّة عمان، على أمل أن يتمّ الاتفاق على صيغة لهذا القانون قبل 20 نيسان المقبل، حسبما يعِد بعض المسؤولين.
ولكن يبدو ممّا يَرشح أنّ الهوّة بين القوى السياسية حول هذا القانون عادت إلى الاتّساع، خصوصاً إذا صحَّ أنّ «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية» يرفضان بشدّة اعتماد النسبية الكاملة في الانتخابات، التي يؤيّدها حزب الله وحركة «أمل»، واقترَب تيار «المستقبل» منهما في الموقف من هذه النسبية، ويصرّان على أن يكون القانون مختلطاً بين النظامين الأكثري والنسبي.
ويقول البعض إنّ «بوانتاجات» أجراها «التيار الوطني» و«القوات» أظهرَت أنّ القانون المختلط يمكّن المسيحيين من انتخاب 53 نائباً في كنفهم من أصل الحصّة المسيحية من المقاعد النيابية البالغة 64 مقعداً، في حين أنّهم لا يستطيعون انتخاب أكثر من 41 نائباً من نوّابهم على أساس القانون النسبي.
ولذلك فإنّ العراك السياسي قد يتحدّد ويتّسع حول قانون الانتخاب العتيد في قابل الأيام والأسابيع، ما قد يفرض أن يتجاوز التمديد التقني المنتظر لولاية المجلس النيابي الستة أشهر إلى السَنة.