في يوم 30 مارس الفائت أحيا الشعب العربي الفلسطيني ذكرى «يوم الأرض» الذي يعود إلى العام 1976 حيث نفذ الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 1948 إضرابا عاماً ومسيرات شعبية من منطقة الجليل إلى صحراء النقب إثر إقدام سلطات الاحتلال على مصادرة آلاف الدونمات من أراض خاصة للمواطنين الفلسطينيين، واندلعت في هذا اليوم مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال أدت إلى استشهاد ستة فلسطينيين برصاص قوات العدو الصهيوني، وجرح واعتقال المئات.
على أن إحياء يوم الأرض هذا العام يأتي في ظل تطورات تشهدها فلسطين المحتلة والدول العربية، تؤكد جملة من الحقائق التي يجب اتخاذها قاعدة يرتكز عليها النضال الوطني لإعادة بناء منظومة حركة التحرر العربية والفلسطينية لتحرير فلسطين، باعتبارها قضية العرب الأولى، التي تشكل لب وجوهر الصراع العربي الصهيوني، الذي يعتبر الأساس الذي تحدد على ضوئه التحالفات والعلاقات. فما هي هذه التطورات، وما هي الحقائق التي تؤكدها؟.
أولاً: فيما خص التطورات يمكن تسجيل التالي:
1 - اشتداد الهجوم الصهيوني الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وتجسد في قرار الحكومة الإسرائيلية بناء آلاف الوحدات الاستيطانية مستفيدة من مجيء إدارة أميركية جديدة اثر انتخاب دونالد ترامب وتصريحاته المؤيدة للسياسات الصهيونية.
2 - استمرار الفوضى والصراعات في الدول العربية، وما تخلقه من فتن وتدمير لمقدرات الأمة، واستنزاف وتشتيت لطاقاتها، بعيداً عن مواجهة العدو الصهيوني صاحب المصلحة الأولى في تأجيج هذه الفوضى لشل أي فعل عربي لدعم قضية الشعب الفلسطيني ومقاومته وانتفاضته في مواجهة الهجوم الاستيطاني الصهيوني، الأمر الذي يوفر الظروف المواتية لقادة العدو الصهيوني، لمواصلة تحقيق أهدافهم العدوانية والتوسعية.
غير أن هذا الواقع شكل مؤخراً حافزاً لدى الشباب الفلسطيني كي يبحث عن بدائل جديدة خارج الأطر الفلسطينية القائمة، وهو ما تجلى في تفجير انتفاضة ثالثة، تؤشر كل الوقائع بأن قادتها هم من الشباب من جيل أوسلو، وقد كشف استشهاد باسل الأعرج بأنه أحد هذه القيادات التي لعبت دوراً أساسيا في الانتفاضة واستنهاض الشباب، وابتداع وسائل جديد في المقاومة والانتفاضة، أربكت أجهزة أمن الاحتلال.
ثانياً: على صعيد الحقائق التي تؤكدها التطورات السالفة الذكر يمكن تسجيل الحقائق التالية:
الحقيقة الأولى: أن المشروع الصهيوني الاستيطاني لا يمكن أن يتوقف عبر المراهنة على الحلول السياسية، التي برهنت التجربة أن السير فيها أدى إلى توفير الغطاء للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لمواصلة سياساتها الاستيطانية التوسعية. هذه الحقيقة الساطعة أكدتها تجربة اتفاق أوسلو التي يجمع أبناء شعب فلسطين، بمن فيهم قيادات السلطة الفلسطينية، بأن نتيجتها كانت سلبية تماماً، فاتفاق أوسلو أعطى الشرعية لإسرائيل وجعل احتلالها أرخص احتلال في التاريخ.
الحقيقة الثانية: أن الولايات المتحدة الأميركية، والدول الغربية ليست على الحياد في هذا الصراع العربي الصهيوني، بل هي تقف إلى جانب الكيان الإسرائيلي وتقدم له كل أشكال الدعم العسكري والمالي والاقتصادي، وهذه سياسة غربية ثابتة منذ احتلال الصهاينة أرض فلسطين وتشريد غالبية الشعب الفلسطيني منها.
الحقيقة الثالثة: إن الابتعاد عن طريق المقاومة لصالح الدخول في نفق المراهنة على حلول سياسية مع الاحتلال، والركون لسياسات الدول التي تدعم الاحتلال، قد أدى إلى التسبب في إلحاق أفدح الأضرار بالنضال الوطني الفلسطيني، والمطلوب هو العودة إلى بناء استراتيجية وطنية شاملة ركيزتها الأساسية هي المقاومة، التي يجب أن توظف كل الجهود والطاقات في إطارها، وأن تكون هي العنوان الذي يوحد جميع القوى المؤمنة بطريق المقاومة، وهذا لا يعني ألا تتم الاستفادة من الوسائل السياسية والدبلوماسية. كما أن التحالفات والصداقات يجب أن تبنى على أساس الموقف من مشروع المقاومة ضد الاحتلال.
على أن القوى الفلسطينية يجب أن تدرك أن ترددها في ذلك واستمرارها في مواصلة سياسة الانتظار لن يؤدي إلاّ إلى دفع الأجيال الجديدة من الشباب الفلسطيني إلى العمل على إنتاج حركات مقاومة جديدة تأخذ بالاعتبار تجارب الماضي وواقع الاحتلال، قادرة على قيادة النضال والانتفاضة في ظروف من السرية الضرورية في ظل الاحتلال، ووجود تنسيق أمني بين أجهزة السلطة الفلسطينية وأجهزة أمن الاحتلال، وهو ما تؤشر إليه تجربة الانتفاضة الثالثة، التي نجحت في الاستمرار لأن قادتها اعتمدوا السرية في عملهم، ولم ينزلقوا إلى العلنية القاتلة.