واجه لبنان خلال السنوات الست الماضية خطراً إرهابياً محدقاً، نتيجة تسلّل مجموعات إرهابية متطرّفة الى الأراضي اللبنانية، وتحديداً إلى سلسلة الجرود الشرقية من عرسال إلى رأس بعلبك والقاع، حيث اتخذ الإرهاب من هذه المواقع منصّات انطلاق لتنفيذ عمليات إرهابية استهدفت ضاحية بيروت الجنوبية، مناطق لبنانية عدة، وذلك بواسطة سيارات مفخخة وانتحاريين فجّروا عشرات الأحزمة الناسفة في مناطق مأهولة. وقد نتج عن تلك الأعمال الإرهابية ضحايا كثيرة من المدنيين لا سيما الأطفال.
طيلة تلك الفترة أصدرت الولايات المتحدة تحذيرات دورية لمواطنيها في لبنان، بضرورة الحذر والابتعاد عن مناطق حصلت فيها تفجيرات إرهابية. وهذا أمر طبيعي، تلجأ إليه أيّ دولة في العالم. لكن ما يثير الريبة والاستغراب، إصدار السفارة الأميركية في بيروت، تحذيراً للمواطنين الأميركيين، من ارتياد كازينو لبنان ومحيطه بذريعة وجود تهديدات إرهابية!
اللافت أنّ هذا التحذير الأميركي، جاء في وقت سجّل فيه لبنان، جيشاً ومقاومة، إنجازاً كبيراً تمثّل بطرد الإرهاب من سلسلة جرود لبنان الشرقية، وإنزال الخطر الإرهابي إلى أدنى مستوياته، في ظلّ الحرص على إيصاله إلى الصفر، من خلال العمليات الأمنية الاستباقية التي ينفذها الجيش اللبناني والتي أسفرت عن تفكيك عشرات الخلايا واعتقال عناصرها وإحباط عمليات إرهابية جرى التخطيط لها.
والسؤال المحيّر، لماذا لجأت السفارة الأميركية إلى إصدار تحذيرات من أعمال إرهابية تقترن بتحديد مواقع معينة؟ وماذا لو كانت هذه التحذيرات جدية، ويعمل الجيش اللبناني للإطباق على المخططين والمنفذين؟
العارفون في قضايا الأمن، يؤكدون أنّ المعلومات الأمنية الجدّية عن أخطار إرهابية محتملة، تبقى محصورة ضمن دوائر أمنية ضيقة، هي من تتولّى تحديد الخطوات والإجراءات الواجب اتخاذها، وحين تكون المعلومات الأمنية على درجة كبيرة من الأهمية والدقة، فإنها تسمح للأجهزة الأمنية والعسكرية بوضع الخطط الناجحة لإحباط أيّ عمل إرهابي.
لذلك، يُعتبر إفشاء السفارة الأميركية في بيروت معلومة أمنية حول تهديدات إرهابية، تقويضاً لمقتضيات تحصين الأمن الوطني اللبناني. وإذا ثبت أنّ هذا الإفشاء حصل من دون إبلاغ الأجهزة الأمنية اللبنانية بالتهديد الإرهابي مسبقاً، على غرار عدم إبلاغ وزارة الخارجية اللبنانية بصدور بيان السفارة، تكون الولايات المتحدة الأميركية، مسؤولة بصورة مباشرة، عن أضرار كبيرة لحقت بلبنان، على الصعيدين الأمني والاقتصادي. فإذا كان التهديد الإرهابي صحيحاً، فإنّ بيان السفارة منح الإرهاب فرصة وضع أهداف أخرى، وإذا كان التهديد غير موجود من عين أصله، فيصبح الهدف واضحاً، وهو الإضرار بلبنان اقتصادياً، بعد أن سجّلت السياحة في لبنان أرقاماً كبيرة لهذا العام، وتوقّع الوزير المعني وصول العدد الى نحو مليوني سائح، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على الاقتصاد.
التحذيرات الأميركية وما أعقبها من تحذيرات كندية وفرنسية، ليس لها ما يبرّرها في ظلّ عملية التحصين الأمني التي يتولاها الجيش اللبناني، ولذلك يصبح السؤال مشروعاً، هل أفشلت السفارة الأميركية إنجازاً أمنياً استباقياً كبيراً كاد أن يحققه الجيش اللبناني ضدّ الإرهاب؟