كان 4 تشرين الثاني يوماً مشهوداً في حياة لبنان وفي مسيرة الرئيس سعد الحريري، الذي قدّم استقالته من الرياض بعد سنة على تسوية رئاسية لم تكن بمقدار ما توقّع، وذلك على رغم إنكاره حتى اللحظة الاخيرة وجود خلل في هذه التسوية، فيما كان قد وضع بعيداً عن الاعلام استقالته كخيار على الطاولة.
ويقول قريبون من دوائر صنع القرار في السعودية انّ المملكة، التي خَيّرت الحريري بين الاستقالة او الاستمرار في الحكومة مع ما يمكن أن يعنيه ذلك من مخاطر، قامت بخطوتها لحماية الحريري ولاستعادته، قبل وصول المواجهة مع إيران الى مستويات سيصبح بعدها الحريري في فوهة المدفع، وهذا ما لم تكن السعودية تريده له.
ويشير هؤلاء الى أنّ الحريري أجرى خلال اسبوعَي إقامته في الرياض نقاشات طويلة مع مسؤولين سعوديين سياسيين وأمنيين، ووضعت أمامه ملفات وحقائق تتصِل بالوضع اللبناني، وبالمواجهة المقبلة مع ايران، كذلك وضعه السعوديون في حقائق تتصِل بفريق عمله، وبارتباطات محددة طالما حذّروا منها، وطالما طالبوه بحسمها ولم يفعل.
ويكشف هؤلاء القريبون انّ لدى القيادة السعودية ملفات مفصّلة عن القضايا التي طرحت، وعن الاشخاص، وأدوارهم، وعن الصِلات التي تربطهم بقوى 8 آذار، وعن خلفية دعمهم غير المشروط للتسوية، وتشجيعهم على السير فيها الى النهاية، على رغم الاعتراض السعودي خلال السنة الفائتة، والتنبيه من مغبّة الاستمرار في السكوت عن «حزب الله»، وعن حليفه الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل تحديداً، الذي تعتبر المملكة انه لم يتأخر في كل المحطات المفصلية عن تلبية ما يطلبه «حزب الله»، بدءاً من الموقف من إحراق السفارة السعودية في طهران، وصولاً الى اللقاء الذي أجراه في نيويورك مع وزير الخارجية السوري وليد المعلّم.
ويكشف القريبون أنفسهم أنّ المملكة طلبت من الحريري أكثر من مرة، طوال الاشهر الفائتة، أن يعلن موقفاً داخل الحكومة يُصحّح فيه الخلل الكبير لكنه امتنع لاعتقاده بأنه لا يريد ان يهزّ استقرار التسوية، وقد أدّى صمته عن تجاوزات «حزب الله» وحلفائه الى اضطرار السعودية للقيام بالعمل على طريقتها. وفي هذا السياق بدأ وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان تصعيداً مدروساً، عبر مواقف متلاحقة، لم تكن لتُطلق لَو تولّى الحريري مهمة التصدي للحزب وحلفائه، الذين بَدوا وكأنهم تجاوزوا كل الخطوط الحمر.
ويشير القريبون الى أنّ مهمة حماية الحريري السعودية، ستسير على خطين:
ـ الأول، حمايته من مسار هَندسَه قريبون منه يهدف الى السير في التسوية مع عون و«حزب الله» الى النهاية، مُتجاهلين عمداً، المواجهة السعودية ـ الايرانية، على طريقة النأي بالنفس، او على طريقة ما بدأ بعضهم يقول في مجالسه: «لا تعنينا ما تريد السعودية، وانّ فك الارتباط معها بات ضرورياً، لأننا نحن من سيدفع ثمن هذه المواجهة وليس هي». ويدفع هؤلاء في اتجاه العودة عن الاستقالة مُتعلّلين بأنّ «حزب الله» بات جاهزاً عبر عون لتقديم أوراق ثمينة تكون مقدمة لاستئناف التسوية.
ـ الثاني، حمايته من مسار تصعيدي على مستوى المواجهة مع ايران وأذرعها في المنطقة، وأبرزها «حزب الله». هذه المواجهة التي عبّرت عن نفسها بالحشد العربي الذي تبنّى قرار وزراء الخارجية العرب، باعتبار «حزب الله» منظمة إرهابية. وهذه المواجهة ستضع الحريري، إن استمرّ رئيساً للحكومة الحالية، طرفاً مشاركاً مع «حزب الله» في تحمّل المسؤولية، مع ما يترتّب على هذه المشاركة من نتائج.
ويشير القريبون الى انّ الحريري يتجه فور عودته الى بيروت ولقائه عون الى تأكيد استقالته، على ان ينتقل بعد ذلك الى درس خياراته، وفقاً للمرحلة الجديدة، التي لم تعد تسمح بالتعايش مع «حزب الله» في حكومة واحدة، ولا بتأليف حكومة تعطي الغطاء الرسمي للحزب.