أن يتزامن تقدّم الجيش السوري داخل محافظة ادلب مع التحضيرات العسكرية للجيش التركي بهدف الوصول الى عفرين الكردية، يعني منطقيا وجود قواسم مشتركة بين دمشق وأنقره أتاحت وضع ادلب على خارطة الحسم. سبق العملية العسكرية التزاما تركيا–سوريا مبدئيا برعاية روسية–ايرانية في الأشهر القليلة الماضية، قضى بتحييد أنقره لمجموعات مسلحة عن الواجهة الادلبية، ومحاولة اقناع "ابو محمد الجولاني" بتعديل بنية "جبهة النصرة" وفك الارتباط مع "القاعدة" و"سورنة" مجموعته للدخول في عملية التفاوض السياسي. هل ينجح الأتراك في هذا التوجه؟ لا تكفي المؤشرات الميدانية حتى الساعة لحسم مسارات المجموعات المسلحة التي تستند الى فكر ارهابي وعقيدة التطرف الديني. لكن الواضح أن الالتزام التركي أمام الروس والايرانيين يجري تنفيذه، ويقلل من المطبّات التي كانت تعترض الجيش السوري في طريقه الى أخطر المحافظات التي كانت عصية على السوريين، ليتم بعدها حسم الملف الكردي بقضاء أنقره على فكرة الانفصال والدويلة الكردية على الحدود التركية بعد الوصول الى عفرين. ما يعني أن الطريق الى ادلب يمر عبر محطتين: ضرب المشروع "القاعدي" الذي جذب كل متطرفي سوريا الى ادلب، ونسف الحلم الكردي الذي يستمد شرعيته في شمال سوريا من صلابة عفرين.
لم تتجاوز المساحة التي تحررت في محافظة ادلب 01% حتى الآن، لكن أهمية الخطوة تكمن في التقدم السريع للجيش السوري، مقابل تخبط المجموعات المسلحة واشتعال الخلافات بين قياداتها في تقييم الموقف التركي الذي فرض انسحاب فصائل مع عائلاتها من سنجار. العين على مطار أبو الضهور–المحطة الثانية المرتقبة للجيش السوري الذي أصبح على بعد بضعة كيلومترات وساعات من الوصول اليه للتمركز واتخاذه قاعدة انطلاق لاعادة النفوذ على مساحة ادلب. ستكون المعرة وخان شيخون هي مناطق الفصل في تحول استراتيجي تفوق أهميته ما حصل في ديرالزور شرق البلاد. الأهم هو الجبهة الغربية التي تفرض تقدم الجيش السوري نحو جسر الشغور. عندها يصبح المسلحون بين قوسين شرقا وغربا. فهل يصل الجيش السوري الى الوسط والشمال؟ الجواب غير واضح بعد، خصوصا أن تركيا لا زالت تتعامل مع السوريين وفق مبدأ خطوة بخطوة، أي أن التقدم شمالا وغربا يوازيه نسف مشروع الكرد، أما الوصول الى قلب مدينة ادلب فيعني الاتفاق على شروط أخرى، من هنا ترفع انقره سقف خطابها حول "جيش وطني في الشمال أو حكومة وطنية". يشكّل رفع السقف لديها بابا للدخول الى مفاوضات سوتشي، وعدم الاستدارة السريعة بشأن سوريا.
رغم الخلافات بين المجموعات، وتسهيل الاتراك للعملية السورية الآن، على الأقل بالتفرج على التقدم الشرقي من دون التحشيد والتدخل والمؤازرة والدعم، لا يعني أن المجموعات الارهابية تقف مكتوفة الأيدي. هي تقاتل بشراسة لمنع تقدم الجيش السوري، وهي امّا لم تهضم التطورات الحاصلة اثر مؤتمر "استانة" على الخطوط الدولية–الاقليمية، أو انها لا زالت تعوّل على دعم اميركي–خليجي، لم ينسجم مع الموقف التركي. لا يزال البحث السوري يدور حول نوايا واشنطن: ماذا تريد أن تفعل؟ هل تتدخل لصالح مجموعات تأتمر بقرارات أميركية وهي تشكل جيوبا" عدة؟ أم تحرك تلك الجيوب بأوامر من البنتاغون الذي يدير اللعبة الأميركية في سوريا؟ كلها أسئلة تترقب خطوات التقدم العسكري على الارض لمعرفة الاتجاهات. لكن الهجوم بطائرات مسيّرة مليئة بالمتفجرات الذي احبطته روسيا على قواعدها الجوية في الساحل السوري يشير الى قدرات فائقة في مواجهة الروس على الارض السورية. منطقيا، لا مصلحة لتركيا بادارة العملية الهجومية، ولا قدرات ولا جرأة لدول خليجية بالطبع على رعاية تلك العمليات، ما يعني أن الاميركيين يقفون خلف الهجوم الجوي. هي أكبر من علامة اعتراض اميركي من "الدولة العميقة". هي تشكل تحديّا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين القادم الى انتخابات روسية سبقها باعلان النجاح في سوريا والانسحاب العسكري منها. لا قدرة لموسكو على التفرغ الكامل للمواجهة الروسية-الاميركية الآن في سوريا. كل ذلك يعني أن الصراع في آخر سنواته السورية معقّد وشديد.