أربع ساعات أمضاها الموفد السعودي والمستشار في الديوان الملكي نزار العلولا في معراب مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، مؤكداً أنه «في بيته»، وأنّ «الحكيم في ضيافته»، عاكِساً بذلك متانة العلاقة التي تربط بين جعجع والقيادة السعودية. وقد تنوّعت مواضيع البحث في هذا اللقاء الذي شارك فيه الوزير المفوّض وليد البخاري والسفير السعودي وليد اليعقوب. فماذا عن هذ اللقاء؟ وماذا رشح منه عن طبيعة زيارة العلولا للبنان؟
تؤكد مصادر «القوات اللبنانية» أنّ «الهدف الاول من زيارة العلولا كان التأكيد انّ كل الكلام عن انّ المملكة انكفأت عن لبنان وانسحبت منه هو كلام بعيد عن الواقع والحقيقة، لأنها معنية بكل الدول العربية، وتحديداً بالوضع في لبنان منذ ما قبل رعايتها لـ«اتفاق الطائف» مروراً بالحقبة التي تَلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري وإنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وخروج الجيش السوري من الأراضي اللبنانية وصولاً الى خروج «إشكالية» «حزب الله» من لبنان الى المنطقة عبر البوابة السورية، حيث انّ الرياض تدرك تماماً انّ خروجها من لبنان يشكّل مصلحة سياسية للمحور الايراني، وبالتالي هي ليست في وارد تقديم هدايا مجانية لإيران أو لغيرها ولن تترك لبنان لقمة سائغة في فم إيران وستبقى الداعم الأساس لمشروع الدولة فيه ولكل القوى السياسية المتمحورة حول هذا المشروع».
وبالتالي، تضيف المصادر نفسها، «أنّ الرياض أرادت من إيفاد العلولا الى بيروت تبديد اللغط حول ثلاثة مسائل أساسية:
- المسألة الاولى، هي انّ هناك مشكلة من طبيعة علاقاتية ديبلوماسية دولتية بين الدولتين اللبنانية والسعودية، ولذلك أرادت الرياض ان يكون اللقاء الأوّل لموفدها العلولا مع رئيس الجمهورية مدخلاً لتأكيد العلاقة الثابتة بين الدولتين، وانّ التعاون مستمر وسيستمر في كل المجالات وعلى كل الاصعدة.
المسألة الثانية: تتعلق بالرئيس سعد الحريري وهي انه كان هناك انطباع بأنّ العلاقة بينه وبين الرياض لم تعد موجودة، وانّ المشكلة بين الجانبين هي من طبيعة سياسية، ولذلك أرادت المملكة من خلال زيارة العلولا لبيروت توجيه دعوة رسمية إليه لزيارتها للتأكيد ان لا قطيعة سياسية بينها وبينه، وانّ العلاقة بينهما مستمرة على رغم التباينات التي تندرج في السياق الطبيعي، ما يعني انّ العلاقة ستعود الى طبيعتها مبدئياً، وتلبية الحريري السريعة للدعوة هي أكبر دليل على الحرص المتبادل على إعادة القديم الى قدمه في العلاقة بينهما.
ـ المسألة الثالثة، هي تبديد ما كان سائداً من انّ المملكة العربية السعودية تَخلّت عن القوى السيادية في لبنان، وطبعاً الرياض ليست معنية بجمعها او توحيدها لأنّ لهذه القوى إرادتها المحلية الذاتية. ولكن المملكة في الوقت نفسه لن توفّر جهداً لدعم كل من يقف مع قيام دولة فعلية في لبنان، لأنّ الرياض الحريصة على استقرار لبنان تعتبر ان هذا الاستقرار غير ممكن التحقق من دون تثبيت ركائز الدولة بحيث انّ على هذه الدولة أن تكون هي المُمسكة الوحيدة بالقرار الاستراتيجي وأن تبسط سيطرتها منفردة على كل الاراضي اللبنانية».
وتؤكد مصادر «القوات» انّ «هذه المسائل تكرر الكلام عنها في معظم اللقاءات التي عقدها العلولا في بيروت، وتحديداً في معراب التي خصّها بالتفاتة مميزة من خلال قوله «انّ الحكيم في ضيافته في معراب»، وذلك تأكيداً لعمق العلاقة التي تربط «القوات» بالمملكة وتعود الى منتصف ثمانينات القرن الماضي حيث تكللت بالتعاون في موضوع «اتفاق الطائف» واستكملت بعد خروج الجيش السوري من لبنان وخروج جعجع من السجن، فثقة المملكة برئيس «القوات» مردّها الى ثباته في خياراته الوطنية والعربية ودعمه الدائم لقيام دولة فعلية في لبنان».
ولا شك، تضيف المصادر، انّ الوقت الذي أمضاه الموفد السعودي في معراب (4 ساعات) أتاح التعمّق بالبحث في الملفات المطروحة، بدءاً من الاحداث الدائرة في المنطقة، حيث قدّم العلولا وجهة نظر المملكة إزاء كل التطورات الحاصلة من اليمن الى سوريا وبينهما العراق، وعرض ما في حوزة المملكة من معلومات حول التحديات المقبلة في المنطقة، وتحديداً لجهة ضرورة ترسيم حدود النفوذ الايراني في ان يكون خارج منظومة الدول العربية».
وتلفت المصادر الى انه «كان هناك تشديد لدى الجانبين على خطورة ما يحصل في الغوطة الشرقية لدمشق، وضرورة الإسراع في وَقف النار والعمل على إيجاد حل في سوريا يمهّد لمرحلة انتقالية يكون النظام السوري، الذي تسبّب بكل الحروب والمآسي والتطرف، خارجها».
وقد انتقل الحديث بين العلولا وجعجع الى الواقع السياسي في لبنان، حيث قدّم رئيس «القوات» رؤيته لهذا الواقع بدءاً من الانتخابات النيابية التي يجري التحضير لها وصولاً الى النزاع الحدودي البري والبحري بين لبنان واسرائيل وتأييد «القوات» موقف رئيس الجمهورية الداعي الى التحكيم الدولي لأنه يجب الاستناد الى مرجعيات دولية لحلّ النزاعات بعيداً عن طروحات الهدف المضمَر منها توسيع رقعة النزاعات من أجل إعادة لبنان ساحة اشتباك تؤدي الى الإضرار بالمصلحة النفطية اللبنانية، لأنّ الشركات الدولية لن تستثمر في واقع يسوده عدم استقرار، هذا مع الحرص على استعادة كل الحقوق اللبنانية النفطية والغازية، ولكن من دون اختراع «مزارع شبعا بحرية»، والتشديد على اعتماد الوسائل الديبلوماسية والمرجعيات الدولية، وان تكون الحكومة اللبنانية الجهة الوحيدة المخوّلة اتخاذ المواقف اللازمة لمواجهة هذا الامر».
وتلفت المصادر الى «انّ الحديث بين العلولا وجعجع دار في جانب منه حول موضوع قانون الانتخاب الجديد الذي ستجرى الانتخابات على أساسه، فأكد جعجع للموفد السعودي انّ هذا القانون يؤمّن التمثيل الصحيح لكل المكّونات اللبنانية، وأن كل الكلام عن انه لمصلحة فريق معيّن هو غير صحيح، وان ما يُثار من مخاوف في هذا الصدد هو في غير محله».
وبحسب مصادر «القوات» ايضاً فقد «أثير في اللقاء الواقع المشرذم الذي آل اليه فريق 14 آذار، فأكّد الموفد السعودي أنّ المملكة داعمة للخط السياسي الوطني لهذا الفريق كونه داعم لمشروع الدولة، ولكنها تترك لأركانه تقدير ما يجب ان يقوموا به لجهة إعادة ترتيب صفوفهم».
وبَدا من جو اللقاء بين العلولا وجعجع انّ هناك تعويلاً على زيارة الحريري للرياض اليوم من حيث النتائج التي ستسفر عنها وستكون لها انعكاساتها المباشرة على مستقبل الاوضاع الداخلية والعامة في لبنان، وكذلك على مستقبل العلاقة اللبنانية - السعودية.
علماً انّ الجانب السعودي شدّد على وجوب التزام لبنان سياسة «النأي بالنفس» التزاماً فعليّاً، وألّا تسمح حكومته لأيّ محاولات لاستخدام الأرض اللبنانية لتوجيه الرسائل الإقليمية بما يهدّد استقرار لبنان وينتهك سيادته. وعبّر العلولا عن الأمل في أن تُفضي الانتخابات النيابية المقررة في 6 أيار المقبل، الى إعادة إطلاق دينامية سيادية وإصلاحية تعيد تزخيم مشروع الدولة.