يجزم كل من يلتقي الرئيس ميشال عون، أنّ الخروج من القصر الجمهوري ليس كدخوله. زوار بالجملة يجلسون قبالة رئيس الجمهورية محبطين ومتشائمين من سوداوية المشهد في ظل حكومة «تنازِع» لتولَد وأزمات لا تنتهي. لكن «الطاقة الإيجابية» للرئيس «الدائم التفاؤل» سرعان ما تنتقل اليهم. أما «بشرى» القصر: فُرِجت حكومياً!
كما اليوم الأول، اليوم الأخير من سنة العهد الثانية، حماسة لقلب السائد وقرار بالتأقلم مع ما يستحيل التأقلم معه. غيّر القصر الجمهوري كثيراً من عاداته بحكم متطلبات الموقع، لكن «الجنرال» يبقى هو نفسه حتى لو أصبح رئيساً يدشّن عامه الثالث في بعبدا وسط أزمات تبدو مستعصية على الحلّ.
حتى «السِباق» بين ولادة الحكومة ومحطة 31 تشرين الاول، تاريخ إنتخاب عون رئيساً، لا يُحبِط ساكن القصر. «لا أحد استطاع أن يحشرني بالمهل والتواريخ». يتصرّف على أساس أنّ ولادة الحكومة مسؤولية خالصة للرئيس المكلّف، أما «مفتاح» صدور مراسيمها فهو بيد رئيس الجمهورية من خلال التوقيع «الأخير».
لا يعنيه أنّ العهد في سنته الثالثة لا يشبه أبداً إنطلاقته خريف 2016 لناحية شبه الإجماع على دعمه، ولا الحديث الدائم عن تسوية تترنّح، ووضع إقتصادي وإجتماعي يليق به «اللطم»، في رأي كثيرين، وفساد يتمدّد بدلاً من أن ينحسر... الإنتظارات كثيرة و«الهريان» ضارب في عروق النظام. حتى العصا السحرية، لو استُعين بها، ستقدّم أداء ضعيفاً!
مع ذلك، في اقتناع عون، كلما اقترب من منتصف الولاية وما بعدها، وُضِعت العصي أكثر في دواليب مسيرة العهد. لكن بمقدار ما تتمّ مواجهته بسيل الإشاعات خصوصاً لجهة وضع الليرة، كما ينقل عنه زواره، وجنوح قوى سياسية لـ «شيطنة» عهده على رغم من كل الإنجازات المحققة، بمقدار ما يتمسّك بجدول أعمال السنوات الستّ، مراهناً على الدور الذي ستلعبه الحكومة المقبلة على صعيد الوضع الإقتصادي والمالي و«خطة» إنقاذه وتنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر» ووضع الأسس لعملية الاصلاح الحقيقية.
هذا بالضبط ما دفعه دوماً الى انتظار ولادة حكومة العهد الأولى، وليس فقط لأنها تعكس موازين القوى لنتائج الإنتخابات على أساس النسبية، أحد أهم إنجازات عهده، كما يردّد دوماً.
على رغم صخب الأزمات الداخلية و«دراما» الحكومة، لم يبدّل رئيس الجمهورية داخل «قصره» تبديلاً في عاداته و«مزاجه».
على مدى عامين، إحتفل ساكن القصر بعيد ميلاده في 18 شباط. الإحتفالات لا تشبه إحتفالات سابقة خبرها «المتمرّد» سابقاً في الثُكَن، أو قصر بعبدا يوم كان رئيساً لحكومة إنتقالية، أو المنفى، ولا المقرّ «الموقت» في الرابية.
الحلقة العائلية واللصيقة تشارك «فخامته» في الإحتفال الإستثنائي، الذي يتخلّله عادة إقامة قداس في كابيلا القصر التي شيّدها الرئيس السابق ميشال سليمان خلال ولايته الرئاسية.
كابيلا صغيرة شُيّدت بين شجيرات القصر، وهي من تصميم المهندس المعماري المتخصّص بترميم الأماكن القديمة والتراثية أنطوان لحود لحود. كان استعان سليمان به لترميم جزء من جوانب القصر وإدخال تعديلات عليه كالمدخل الرقم 6 الرئيسي وصالة السفراء.
يوميات الرئيس تكاد تكون ثابتة. يستفيق باكراً جداً. رياضة صباحية ثم يدخل مكتبه عند السابعة والنصف. يقرأ ملخّصاً عن التقرير الإعلامي، محلياً ودولياً، ويستمع الى بعض الإذاعات، ثم يبدأ جدول استقبالاته. وبعد الغداء، إستقبالات من الساعة الثالثة وحتى السابعة مساءً أحياناً في حال ضغط المواعيد. داخل «منزله» في الطابق العلوي يستقبل أصدقاءً وزواراً قريبين منه جداً، مع تمنٍ دائم من جانبهِ بعدم نشر صور له من داخل «منزله» الرئاسي!
«التمشاية» الصباحية صيفاً وشتاءً مع مساعديه من «طقوس» الجنرال الثابتة. لكن هنا المسافات أطول وأشرح و»الحاشية» المرافقة أكثر عدداً.»سمارت» كلب الرئيس تأقلم تدريجاً مع المكان الجديد، وفي بعض الأحيان يرافق الرئيس في الهرولة الصباحية.
للسكينة وجه لآخر. «زرّيعة الرابية» استُنسخت في بعبدا، لكن على مساحة أوسع. هناك وقت دائماً للاهتمام بـ«منتوجات» القصر وريّها.
قبل أشهر قليلة إنتهت ورشة «جنينة» القصر المطلّة على غرف المستشارين وقاعة الإعلاميين وصالون الزوار. هناك يمضي عون الوقت الأحبّ الى قلبه. بركة مياه ومقاعد للإستراحة وسط شجر الليمون والحامض وبوصفير والزيتون... مساحة جديدة تنضمّ الى «نشاطات» سابقة لم يشهدها القصر الجمهوري في تاريخه. إحتضانه لسبعة قفران للنحل في حديقته الفسيحة، تبنّي قضية الطيور المهاجرة، وفتح القصر أبوابه لزوار فوق العادة من مشاهير العالم، ودخول رئيس الجمهورية وجهاً ترويجياً ضمن حملة مكافحة سرطان الثدي، وإستقباله الاستثنائي لأطفال مرضى...
قيل كثيراً عن حضور العائلة الطاغي في قصر بعبدا. ميراي وكلودين عون الأكثر وجوداً في حكم مهامهما الرسمية الى جانب «فخامته» والسيدة الأولى صاحبة الـ low profile.
الوزير جبران باسيل وبسبب ضغط زياراته الى الخارج والملفات الحزبية والسياسية والوزارية التي يتولاها، هو الأقل حضوراً في الشكل لكن الأكثر تأثيراً في المضمون، مع العلم أنّه كثيراً ما يكون الطرف الثالث غير المرئي ضمن لقاءات يُجريها رئيس الجمهورية مع زواره خصوصاً، خلال مفاوضات تأليف الحكومة. النائب العميد شامل روكز «يطلطل» على القصر دوماً. أما العائلة مجتمعة فلها الـ«ويك اند» وبمَن حَضر.
القصر مفتوح للجميع. هذا ما يردّده أولياء القصر، لكن «لائحة الانتظار» لا تزال «مفوّلة» من طالبي المواعيد مع الرئيس، ووفق الأولويات تُنظّم أجندة اللقاءات.
في ذكرى انقضاء العام الأول من العهد، وجّه ميشال عون رسالة الى اللبنانيين سبقه إليها فقط أمين الجميل، الذي اعتمد هذه العادة كل 23 أيلول من سنوات عهده. كذلك تميّز الإحتفال بإجراء حوار مباشر غير مسبوق لرئيس الجمهورية مع وسائل الاعلام!
هذا العام، أربَكت ولادة الحكومة الجميع. أكثر من مرّة إنشغلت دوائر القصر الجمهوري بتحضيرات لزيارة مفاجئة قد يقوم بها الرئيس المكلّف سعد الحريري يمكن أن تفضي الى ولادة الحكومة، لكن، إمّا يتمّ تأجيل الزيارة أو تحصل الزيارة لكن بتقديم «تشكيلة وزارية» لا ترضي الرئيس. في الساعات الماضية لم يكن الوضع أفضل حالاً. في أي لحظة يمكن أن يحطّ الحريري ليقدّم آخر مسودة يُفترض أن تنال توقيع عون، وللمشهد دائماً تحضيراته المسبقة.
حتى الآن، لا قرار بإجراء حوار إعلامي أو توجيه رسالة كالعام الماضي. الأمر سيكون مرهوناً بمصير الحكومة التي يجزم أهل القصر بأن ولادتها باتت مسألة ساعات، وفي أقصى الحالات منتصف الاسبوع!
«الرئيس القوي»، وفق قريبين منه، على «عناده الإصلاحي» وسيبقى كذلك حتى الرمق الأخير. وهو ينتظر مباشرة الحكومة مهامها بعد نيلها الثقة، ليبدأ العمل الجدّي.
لكن، يصعب على الفريق غير المشكّك بـ«نوايا» رئيس الجمهورية والمُحبَط في الوقت عينه من أداء العهد، أن يَفصل «حكمه» على ميشال عون عن «حالة» جبران باسيل، الأكثر إلتصاقاً بالعهد والأكثر عرضة لـ«البرش» اليومي مقارنة ببقية السياسيين!.
باسيل «ظاهرة» فعلاً. القريبون منه ومن أسلوبه في العمل يجزمون بأنّه إصلاحي من الدرجة الأولى، مهجوس بفكرة إعادة إثبات الحضور المسيحي وبناء الدولة و»تطهيرها» من الفساد ووقف «أعمال السَلبَطة» بحقها، وقد نجح في تكوين أكبر كتلة نيابية ومسيحية.
خصومه، في المقابل، يصوّرونه على أنه أسوأ نموذج لسياسي منذ ما بعد «إتفاق الطائف» أسلوباً ومضموناً، ومكروه لدى الرأي العام، والأنكى من ذلك يحضّر لمعركته الرئاسية محاولاً الإيحاء بأنّه «القائد التنفيذي» للعهد!