في إطار سلسلة الهجمات الجويّة والصاروخيّة الإسرائيليّة المَفتوحة على أهداف في الداخل السُوري، شنّ الجيش الإسرائيليّ في 12 و19 و20 من الشهر الحالي، هجمات عدّة على أهداف مُختلفة(1). فلماذا لم تتمكّن سوريا حتى اليوم، من وقف الضربات الإسرائيليّة المُتمادية ضُدّها، على الرغم من الدعم الروسي لها؟.
بحسب بيانات روسيّة تتقاطع مع معلومات من مصادر أخرى، إنّ الطيران الإسرائيلي لم يقم خلال السنوات القليلة الماضية بإختراق الأجواء السُورية، حيث أنّ كل ضرباته تتمّ إمّا من فوق الجولان المُحتلّ، أو من فوق لبنان، أو حتى من فوق الأردن والعراق في بعض الحالات، وذلك تبعًا للموقع الجغرافي المُستهدف داخل الأراضي السُوريّة. لكن وكما أنّه من المُمكن تنفيذ ضربات جويّة صاروخيّة من مسافات بعيدة، يُمكن التصدّي لهذه الهجمات من مسافات بعيدة أيضًا، حيث يبلغ مدى صواريخ "أس 300" الروسيّة الصُنع، والتي باتت تملكها سوريا، نحو 300 كيلومتر. وفي معلومات غير أكيدة أنّ الجيش السُوري لا يزال يعتمد حتى تاريخه، على منظومة صواريخ "أس 200"، لإعتراض الهجمات الإسرائيلية، وليس على مَنظومة "أس 300" الأكثر حداثة، والتي كانت روسيا قد زوّدته بها في الماضي القريب، وتحديدًا نهاية العام 2018، بعدما جرى قصف مواقع قريبة من قاعدة حميميم الجويّة الروسية في سوريا، ما أسفر عن سُقوط خبراء روس خلال هذا الإستهداف.
وفي حين كانت التبريرات في السابق، تُركّز على عدم جُهوزيّة هذه المُنظومة الأكثر حداثة، وعلى حاجة القوى العسكريّة السُوريّة المَعنيّة لفترات تدريب عليها، لم يكن من مُبرّر خلال الضربات الأخيرة لعدم إستخدامها، بعد أن جرى الحديث في آذار الماضي، عن جُهوزيّة هذه المنظومة الدفاعيّة للتصدّي لأي إعتداء يطال دمشق ومحيطها وغيرها من المناطق في سوريا. لكن عدم حُصول هذا الأمر خلال الإعتداءات الإسرائيليّة الأخيرة، فتح الباب أمام جُملة من التكهّنات والإشاعات الإضافيّة، على غرار أنّ صواريخ "أس 300" بحوزة الجيش السُوري قليلة العدد، وهي مُوزّعة بالتالي لحماية مناطق مُحدّدة وحسّاسة فقط داخل سوريا، ولا تُغطّي بالتالي كامل الأراضي السُوريّة، إضافة إلى كونها باهظة الثمن ولا يريد الجيش السُوري هدرها! حتى أنّ بعض الإشاعات تذهب بعيدًا في تحميل الجانب الروسي المسؤولية، من خلال عدم منحه "الضوء الأخضر" للجيش السُوري لإستخدامها! وبغضّ النظر عن الأسباب الحقيقية، الأكيد أنّ ثمّة قطبة مخفيّة تحول دون نجاح سوريا في وقف الهجمات الإسرائيلية، بعدما قيل الكثير عن قُدرات منظومة "أس 300" على إرباك وإفشال الهجمات من مسافات بعيدة، وحتى على إسقاط الصواريخ وربّما الطائرات الإسرائيليّة المُغيرة.
إشارة إلى أنّ سوريا، حاولت الثلاثاء الماضي ضرب العمق الإسرائيلي عبر إطلاق أربعة صواريخ أرض–أرض بعيدة المدى، إلا أنّ الجيش الإسرائيلي أفشل هذه المُحاولة، وأسقط الصواريخ فوق القنيطرة. وللتذكير هذه ليست المرّة الأولى التي يُحاول فيها الجيش السُوري ضرب العمق الإسرائيلي، لكنّ النتيجة جاءت سلبيّة مرّة جديدة. ولم تكتف إسرائيل بإسقاط الصواريخ السُورية، بل عادت وشنّت في الليلة التالية، أي بعد أقلّ من 24 ساعة على مُحاولة الردّ السُوريّة على الغارات والضربات الإسرائيليّة، سلسلة من الهجمات المُوسّعة التي أدّت إلى سُقوط قتلى وجرحى في صفوف عسكريّين سوريّين ومُقاتلين إيرانيّين!.
وبالتالي، يبدو أنّ السيطرة الإسرائيلية الجويّة لا تزال هي السائدة في المنطقة، مع إستمرار قُدرة الجيش الإسرائيلي على تنفيذ الغارات والضربات الصاروخيّة، من دون تلقّي أيّ ردّ مُواز. لكنّ المُفارقة أنّ الجيش الإسرائيلي عاجز تمامًا أمام الضربات الصاروخيّة القصيرة والمتوسّطة المدى، كما ثبت في أكثر من مواجهة عسكريّة، لا سيّما خلال "حرب تمّوز" وُصولاً إلى الأمس القريب، خلال المُواجهة التي إندلعت بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين(2)، إثر قيام إسرائيل بإغتيال المسؤول في حركة "الجهاد الإسلامي" بهاء أبو العطا. وفي هذا السياق، جرى إستهداف تل أبيب الواقعة على بُعد 120 كيلومترًا من قطاع غزّة، بسلسلة من الصواريخ على يد مُقاتلين فلسطينيّين.
في الخُلاصة، تُوجد نظريّتان: الأولى تقول إنّ المحور الداعم للنظام السُوري لا يريد الدُخول في حرب شاملة مع إسرائيل بحسب توقيتها بل وفق توقيته هو، وأنّه طالما أنّ الإعتداءات الإسرائيلية لا تؤثّر على البنية العسكريّة التحتيّة التي يتواصل تحضيرها في المنطقة، إستعدادًا للحرب المُقبلة الشاملة، إنّ عدم الردّ ليس بالكارثة! أمّا النظريّة الثانية فتقول إنّ النظام السُوري لم يكن يومًا يريد الدُخول في أيّ حرب مُباشرة مع إسرائيل، وهو مُستعدّ للرضوخ لأيّ مُعادلات إقليمية ودَوليّة، أكانت روسيّة–أميركيّة أو روسيّة–إسرائيليّة، طالما أنّ بقاء هذا النظام محفوظ!.