تجمع مختلف القوى السياسية على أن رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري لا يريد مغادرة السراي الحكومي، بالرغم من المواقف التي سبق له الإعلان عنها، لا سيما تلك الّتي تضمن المعادلة الشهيرة: "ليس أنا بل أحد غيري"، نظراً إلى عمليات إحراق أسماء المرشّحين الذين تم التوافق عليهم مع القوى التي تشكل الأكثريّة النيابيّة، من محمد الصفدي إلى سمير الخطيب مروراً ببهيج طبارة.
اليوم، يبدو أن موقف الحريري المعلن تبدّل، خصوصاً بعد الموقف الصادر عن دار الفتوى، على لسان الخطيب نفسه، لناحية التوافق على تسميته من قبل الطائفة السنّية، بغضّ النظر عن دقّة هذا الإجماع في ظل المواقف التي عبّرت عنها قوى وشخصيّات أخرى من الطائفة، الأمر الذي يدفع إلى السؤال عن الذي تبدل عملياً في الأيام الماضية؟.
في هذا السياق، تشير مصادر سيّاسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى وجود وجهتي نظر حول هذه المسألة،الأولى تعتبر أن رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري كان يفضل العودة إلى السراي على رأس الحكومة التي تلي المقبلة، على قاعدة أن التي ستتشكل ستواجه مجموعة من الصعاب، قد لا تكون قادرة على مواجهتها، وبالتالي يأتي هو على أساس أنه "المنقذ"، بينما الثانية ترى أنه كان يسعى للحصول على تفاهم مع شخصية أخرى على شكل الحكومة، ليعود ويتولى التشكيل بنفسه على قاعدة الشروط التي توصل إليها من كان مرشحاً، في حين أن هذه المعادلة مرفوضة من قوى الثامن من آذار، نظراً إلى أن ما يمكن القبول به مع "الوكيل" مختلف على ما يمكن الموافقة عليه مع "الأصيل".
من وجهة نظر هذه المصادر، وجهة النظر الأولى قد تكون الأقرب إلى الواقع، نظراً إلى ما نُقل عن لسان رئيس حكومة تصريف الأعمال طوال الفترة الماضية، وتلفت إلى أن الحريري كان يظن بأن لبنان متروك ليواجه مصيره، خصوصاً أن هناك الكثير من الجهات الإقليميّة والدوليّة التي تسعى إلى زيادة الضغوط الإقتصاديّة على "حزب الله"، إلا أن بعض المعطيات قلبت المشهد من جديد، أبرزها الدعوة الفرنسية إلى إجتماع دولي لمناقشة أزمة لبنان الاقتصاديّة، يوم غد الأربعاء، بالتزامن مع معلومات عن أن باريس، بالتعاون مع موسكو، لن تسمح بوصول البلاد إلى مرحلة الإنهيار الشامل، تماهت مع أخرى مصدرها واشنطن بأنّ المطلوب زيادة الضغط ضمن حدود معيّنة.
على هذا الصعيد، توضح المصادر نفسها أنه منذ تحديد موعد الإجتماع الدولي بدأت تتبدل المعطيات التي لدى الحريري، الذي يريد أن ينتظر ما سيصدر في هذا الإطار ليبني على الشيء مقتضاه، وبالتالي تولي قيادة المرحلة المقبلة في حال تأمنت له عوامل عبورها بنجاح، وإلا العودة إلى السيناريو السابق أيّ ترك المهمّة إلى شخصيّة أخرى، على أن يعود إلى الواجهة في المرحلة اللاحقة، لكنها تلفت إلى مجموعة من المعطيات التي يجب أن تؤخذ في عين الإعتبار، منها التطورات في الموقفين الإماراتي والسعودي من الأزمة السوريّة، حيث لم يتردّد القائم بالأعمال الإماراتي في دمشق المستشار عبد الحكيم إبراهيم النعيمي، قبل أيام، في الحديث عن "القيادة الحكيمة" للرئيس السوري بشار الأسد، بينما المعلومات عن أعمال صيانة في سفارة السعودية في سوريا لم تعد مخفيّة على أحد.
في المحصّلة، لا يبدو أنّ الحريري في طور التفريط برئاسة الحكومة في هذه المرحلة، طالما أنّ الأجواء الدولية مساعدة لتجاوز الأزمة أو التخفيف من حدّتها في أسوأ الأحوال، لكن حتى موعد الإستشارات النيابية المُلزمة، يوم الاثنين المقبل، ربما يتبدل المشهد من جديد.