لم تكن طرابلس عند رئيس المجلس النيابي نبيه بري مجرّد مدينة عاديّة. كانت تحظى بإهتمامه منذ زمن طويل. يعرف مكانة طرابلس عند "الاستاذ نبيه" كل شخصياتها السياسية والنقابية والإجتماعية. يعرف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والنائب فيصل كرامي بعد والده وعمّه رئيسي الحكومة السابقين عمر ورشيد كرامي، والوزير السابق رشيد درباس، وغيرهم من فاعليّات الشمال السياسية والإجتماعية والنقابية، على تنوّع مشاربها.
كان بري لا ينام لياليه في زمن الأزمة الأمنيّة الطرابلسيّة. كان يتابع اتصالاته لتهدئة اشتباكات المحاور في سنوات عجاف مضت. كان ولا يزال ينطلق من معادلة أنّ معالجة أمن الفيحاء يبدأ من إنصافها إنمائياً. هو نفسه بري الذي خرق كل الأعراف اللبنانيّة وتنازل عن حصة طائفته وحركته السياسية بمقعد وزاري لصالح وزير طرابلس عام 2011 فيصل كرامي. هو نفسه بري الذي جمع تيار "المستقبل" و"حزب الله" على طاولته الحواريّة لمنع تمدد الأزمة المذهبيّة التي تطال المسلمين، إنطلاقاً من ثابتة لديه: أنا شيعي الهويّة، سنّي الهوى.
يعرف كل طرابلسي ان رئيس المجلس دأب على حثّ كل الوزارات لتلبية مطالب مدينتهم. إسألوا إبن الفيحاء توفيق سلطان عن مرفأ عاصمة الشمال. إسألوا نواب "المستقبل" والضنيّة والمنية وعكّار. إسألوا كلّ من تعاطى الشأن العام. ستسمعون جواباً واحداً عن دور بري الوطني بشأن "صمام الأمان". إسألوا كل وزراء "حركة أمل" السابقين والحاليين عن توصيات بري بشأن الإهتمام بالشمال.
فماذا حصل في الساعات الماضية؟ من هم هؤلاء الذين إدّعوا انهم يمثّلون طرابلس؟. يقول طرابلسيون "ان ما حصل لا يمثّل المدينة، بل هم مجموعات إستقدموا من قبل أجهزة أمنيّة مخابراتيّة". كيف ذلك؟ من هي تلك الأجهزة؟ لصالح من تعمل؟ وما هي الأجندة والأهداف؟ يستفيض طرابلسيون بالشرح: كل ما يجري في طرابلس تعرف تفاصيله "الأجهزة". هم تركوا باصات تحمل شباباً أتوا من طرابلس الى بيروت في نقليات مؤمّنة ضمن مهمّات مأجورة، ويرفعون شعارات إستفزازيّة وفتنويّة على مرأى "الأجهزة". كان الهدف هو ضرب دور بري الجامع، واستهداف شارع عريض يمثّله رئيس المجلس. كان المخطط يقضي بنزول شارع مقابل شارع، لتعطيل دور رئيس المجلس، وبالتالي نسف أيّ مشروع حلّ يطرحه برّي لحلّ الأزمة السّياسية. لكن حركة "أمل" عملت جاهدة لضبط جمهورها في بيروت والبقاع والجنوب على قاعدة: ممنوع الإنجرار وراء الفتنة. لم تسمح "أمل" بالفوضى. لكن الجمهور عبّر عن غضبه في بيانات استنكاريّة وتحديداً في البقاع الذي كانت عشائره وعائلاته تغلي بسبب التطاول على رمزها الوطني. كان الكلّ يتساءل: هل هكذا يُكافَأ بري على دوره التاريخي وطنياً وإسلامياً؟.
ماذا بعد؟ من يعرف برّي جيداً، يدرك انّ الرجل الذي جابه اصعب المراحل بحكمة وروية، لن يتنازل عن دوره لا بحق طرابلس ولا كل اللبنانيين.