كان واضحاً أن العواصم الدولية راضية عن خيار تكليف د. حسان دياب مهمة تأليف الحكومة اللبنانية. لم تأخذ الشائعات التي وصفته بأنه رئيس حكومة مواجهة بعين الإعتبار. تقدّم حديث المسؤول الأميركي ديفيد هيل عن عدم تدخل بلاده في شؤون لبنانية تتعلق بشكل أو أسماء الحكومة، بل كل تصريحاته داخل الإجتماعات وعبر وسائل الإعلام أوحت أن عمل الحكومة هو الأساس بالنسبة للاميركيين. كما جاء البيان الفرنسي الذي ركّز على معايير عمل الحكومة اللبنانية لا على أشخاصها يصبّ في ذات الإطار. مما يعني الاّ وجود للفيتو على إسم دياب، لأن لا مبرر لرفض أستاذ محاضر في الجامعة الأميركية في بيروت إنحاز إلى جانب الحراك الشعبي منذ إنطلاقته، كما أوحت تغريداته على وسائل التواصل الإجتماعي، التي ثبّت مضمونها في إطلالاته الأخيرة بعد تكليفه بمهمة تأليف الحكومة اللبنانية. هذا الجانب لا بدّ أنه أثار بيئة الرافضين لتكليف دياب، وتحديداً تيار "المستقبل" الذي أصيب بإرباك شديد في الأيام القليلة الماضية.
في الداخل كان مناصرو الحراك الشعبي يلتزمون الصمت المطبق في المنازل: لا كلام يقال بشأن تكليف دياب، إنطلاقاً من طبيعة شخصية الرجل الأكاديمي الهادئ، غير المتورط بأي نوع من الفساد، المُلتزم بدعم الحراك الشعبي، المنفتح على كل المكوّنات اللبنانية، الساعي إلى تأليف حكومة أخصائيين. كل ذلك يُلزم الحراكيين دعم دياب لا التفرج على حملات التحريض ضده.
جاءت إحتجاجات مناصري تيار "المستقبل" إعتراضاً على الرئيس المكلف تأليف الحكومة تصيب الحراك الشعبي بسهام قاتلة. أظهر قطع الطرقات في البقاع والناعمة وبيروت والشمال أنّ مناصري رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري هم أنفسهم الذين قطعوا الطرقات منذ شهرين، لحسابات زرقاء، لا تجاوباً مع عناوين الحراك الشعبي. كما أنّ الإحتجاجات التي إتّخذت طابعاً طائفياً أو مذهبياً او مناطقياً سواء في الرينغ أو في البقاع الاوسط والناعمة وكورنيش المزرعة، أصابت جوهر الحراك الشعبي الذي إتخذ عناوين وطنية عريضة. فماذا حصل الآن؟ بدا الطائفيون أكثر شدة وفعلاً في كل المراحل، يفرضون الشغب والفوضى عند أي حدث، وفي اي مكان، ويتلطى خلفهم سياسيون في ساعة الرفض والإعتراض.
واذا كان الحريري دعا المعترضين إلى الإنسحاب من الشوارع، فإن الإحتجاجات الطائفيّة تواصلت رغم تغريدة "الشيخ سعد"، لكن ما هو سر الإندفاعة في الشارع؟ ها هو شعور طوائفي بنكسة سياسية ولّدت أزمة؟ قد يكون هو السبب الأساسي. علما أن الاسئلة انطلقت حول تمويل الأشكال الإحتجاجية في إستخدام المفرقعات النارية: من إشتراها؟ من دفع أثمانها المرتفعة؟ من أين حضرت بكميات هائلة؟ لا بد ان هناك ممولاً وموجهاً ومخططاً يقف خلف المنفذين.
أتت خطابات رجال الدين تعزز من فرضيات التخطيط لإسقاط الرئيس المكلف تأليف الحكومة ومنعه من تنفيذ مهمته. مما يضع الحراك الشعبي أمام مسؤولياته الوطنية. فلنفترض ان دياب أعلن إعتذاره. سيكون التراجع حصل بفعل ضغوط طائفية لا بأمر المواطنين. عندها سيترسخ عنوان : الطائفة هي التي تختار، لا اللبنانيين. فأين عناوين الحراك الشعبي؟ يكون حينها قد سقط أمام اول اختبار جدي.
كل ذلك يفرض ان يكون مطلب اي حراك وطني هو الدولة المدنية والغاء الطائفية السياسية قبل أي عنوان آخر. من دون ذلك لا أمل لأي حراك، ولا جدوى من أي إعتراض.