لم تهدأ العواصم الدولية في رصد المتغيّرات اللبنانية، فأظهر الأميركيون والأوروبيون إهتماماً بحجم تلك المتغيرات بعد حصولهم على دراسات إحصائية وسياسية تفيد بأن تراجعاً تشهده معظم الأحزاب والقوى في لبنان نتيجة تداعيات الأزمات السياسية والإقتصادية والمعيشية. يقول مطّلعون على الدراسة إنّ التراجع يشمل احزاباً سلطوية ومعارضة معاً، "وهي تعكس نتائج التطورات اللبنانية والخارجية المؤثرة في الواقع الداخلي". وإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية تتعمّد ممارسة الضغوط المالية على لبنان، فإنها تترقّب مزيداً من التداعيات السلبية "لمحاصرة حزب الله وفرض تنازلات عليه لصالح صفقة القرن، والحصول على ضمانات أمنية وسياسية من لبنان لصالح إسرائيل"، كما سمع نائب لبناني سابق من مسؤول اميركي التقاه في واشنطن الاسبوع الماضي.
لم تكترث العواصم الغربية والعربية لنتائج التقارير التي تفيد أن الأحزاب السياسية اللبنانية تفقد تأييد جماهيرها تدريجياً، لكن ما يهم تلك العواصم "أن يتراجع وهج حزب الله لبنانياً إنطلاقاً من بيئته الشيعية الحاضنة، وهو أمر لم يحصل حتى الآن". أظهر التقرير أن جمهور الحزب لم يتراجع عن دعمه، لكن الأوجاع المعيشية باتت تُظهر وجود تداعيات سلبية في البيئة اللبنانية تجاه عناوين الحزب الإقليمية.
يقول النائب السابق المذكور أنّ الأميركيين لا يقدّمون أجوبة على أسئلة بشأن "الحراك الشعبي": هل تعتبر واشنطن أنه بات واقعاً يمكن الإعتماد عليه؟ وهل هو البديل المقبل؟ لكن الجواب الأكيد عندهم انهم لن يقدموا على إحياء قوى "14 آذار" لأنهم يعتبرون أنها باتت خارج المعادلة اللبنانية، ولا أمل في إحيائها. بينما يتركون أمر البدائل الى ما "سينتجه الشارع اللبناني مستقبلاً". بالنسبة إليهم أن الآلام المقبلة اقتصادياً ستفرز طبقة سياسية جديدة، "فلا يمكن الرجوع الى ما قبل أزمة لبنان المالية".
على هذا الأساس، ستكون الأحزاب اللبنانية في قلب العاصفة: ما هي فعاليتها مستقبلاً؟ هل انتهت أدوارها نتيجة خلل طبيعي في تركيبة العلاقة بين المواطنين والنظام السياسي؟ تعاني معظم الأحزاب من مشاكل جوهرية، حيث تغيب القضية المركزية عند كل حزب التي تجذب الشعب الى الالتحاق بالقوى، وسط فقدان الثقة وغياب المصالح.
مما يوحي أن الأحزاب اللبنانية تحتضر، ويذهب لبنان الى ولادة تموضعات حزبية سياسية جديدة خصوصاً ان معظم الأحزاب تنوّعت بين سلطوية تاريخياً، فلم يعد لديها ما تقدمه، ولا يحفظ إستمرارها حتى الساعة، سوى كاريزما القائد او الزعيم او القدرات المالية التي تجفّ الآن، وبين احزاب معارضة فشلت في جذب المواطنين او تقديم رؤى سياسية عصرية او خطاب واعد. لتبقى الأحزاب الناشئة نسبياً منذ سنوات والتي تقودها وجوه شابة قادرة مرحلياً على القيادة والتحكم بجماهيرها.
وخلال قراءة الواقع الحزبي ايضاً يُحكى عن فشل رهان رؤساء أحزاب على تولي ابنائهم الزعامة من بعدهم، وعن عدم فعالية العناوين الطائفية او المذهبية في شحن مناصرين جدد. فإذا أجرى أي حزب دراسة حول أعداد المنتمين اليه منذ ثلاثة أشهر، سيكتشف أن العدد صفر، فيما يُجمّد محازبون نشاطاتهم الحزبية في القرى والأحياء.
لذا، لا إتضاح في مسار الأحزاب اللبنانية في مرحلة مفصلية حسّاسة، قد تقود الوطن إلى حالة ضبابية تسبق ولادة قوى جديدة من رحم التموضعات الحالية. ينقل النائب السابق نفسه عن معنيين في عواصم غربية قولهم: تحضّروا لمرحلة لبنانية عصرية بوجوه قيادية معظمها جديد.