تشكّل التعيينات في المواقع المالية، في مصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف، وهيئة الأسواق المالية امتحاناً صعباً على الحكومة، فإن هي نجحت فيه انطلقت في رحلتها الطويلة في إنجاز باقي التعيينات والولوج في ملف الإصلاحات ووقف الهدر والفساد، وإن هي سقطت فإن مسيرتها ستكون شاقة وصعبة وستهتز صورتها امام الرأي العام اللبناني الذي يتوق إلى الإصلاح ووقف الهدر وإعادة النهوض بالبلد على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، ناهيك عن المجتمع الدولي الذي ينتظر هذه الحكومة على الكوع بالرغم من جرعات الدعم التي تأتي لهذه الحكومة بالمفرق من قبل بعض الدول.
يبدو ان مقاربة ملف التعيينات المالية لن يكون بالأمر السهل، خصوصاً وان هناك حرباً مستعرة تدور حول هذا الملف، حيث بدأت بعض القوى السياسية تعد العدة لمواجهة أي خطوة من شأنها ان تمس بالمنظومة المالية القائمة، وفهم ان رئيس الحكومة حسان دياب يجري مروحة من المناقشات مع أهل الحل والربط من القوى السياسية لتأمين ممر آمن لهذه التعيينات التي تعتبر باكورة عمل حكومته، والتي يأمل ان تكون حجر الأساس للانطلاق في مقاربة باقي الملفات الملحة.
وقد برزت في الساعات الماضية مؤشرات توحي بأن هناك حلحلة على مستوى تعيين نواب حاكم مصرف لبنان، خصوصاً وان الرئيس دياب أبلغ من تشاور معهم في هذا الملف بأنه ذاهب وبشكل جدي وحاسم باتجاه حصول هذه التعيينات بالرغم من الضجيج القائم حولها.
مروحة من الاتصالات والمشاورات تصل إلى بنشعي لتذليل بعض العقد
ووفق المعلومات، فإن أسماء نائب الحاكم أصبحت شبه محسومة وهي: وسيم منصوري نائباً أوّل، سليم شاهين النائب الثاني، فؤاد أبو الحسن النائب الثالث، والكسندر موراديان النائب الرابع، امام مفوضة الحكومة لدى مصرف لبنان فهي السيدة كريستال واكيم.
وفي حال صدرت هذه التعيينات في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء فإنها ستكون بمثابة جرار يسحب نفسه حكماً على التعيينات في الأماكن الأخرى، وخصوصا في الأماكن الملحة والحساسة، مثل مجلس إدارة كهرباء لبنان، والهيئة الناظمة في هذا القطاع بعد تعديل قانون الكهرباء الذي من الممكن ان يجري تعديله عبر جلسة الكترونية يعقدها مجلس النواب، هذا إضافة إلى المراكز الشاغرة في الفئة الأولى والتي تدار منذ زمن طويل اما بالتكليف أو بالإنابة.
وإذا كان ملف التعيينات الذي يعتبر من الملفات الشائكة التي تواجه أي حكومة مع بداية عملها، فإن الأهم يبقى عند الحكومة في هذه المرحلة ان تدخل عملياً في عملية الإصلاح الجدي، إذ وكما هو معلوم فإن الحكومة الحالية لم تقم بأي خطوة ملموسة في اتجاه الولوج في الإصلاحات، حيث داهمها خطر فيروس كورونا وبات أولوية لديها، كونه يمس بحياة اللبنانيين جميعاً.
وفي تقدير مصادر متابعة ان التعيينات في مصرف لبنان هي جزء من ملف متكامل، وخطوة ستليها خطوات لا تقل عنها أهمية، مثل محاربة الفساد، وتظهير التعيينات القضائية المعطلة لأسباب غير مفهومة، وان كان البعض يقول ان هذه الأسباب هي رئاسية.
وترى المصادر ان التعيينات المالية وغير المالية بمعزل عن بعدها الاصلاحي فإنها تُعد مدخلاً للحكومة لتكون عند حُسن الظن السياسي والشعبي بها، خصوصاً وان البعض بدأ يلمح إلى ان لا حيادية في هذا الملف، وان روائح المحاصصات السياسية بدأت تفوح، ومن غير المستبعد ان يؤدي ذلك إلى فرملة هذه التعيينات والدخول في بازارات سياسية وطائفية لا طائل منها، سوى انها تعيق عملية الإصلاح التي يعّول عليها في الداخل والخارج كمخرج أساسي وحقيقي من الأزمة المالية والاقتصادية.
وفي هذا السياق، يُنقل عن الرئيس نبيه برّي ان العنوان الدائم والاساسي لديه في أي تعيينات هو النزاهة والجدارة، وان تراعي هذه التعيينات كل المعايير وتبتعد عن موضوع المحاصصة، وهو أكّد انه لن يكون حجر عثرة امام أية عملية إصلاحية خصوصاً وأن لبنان هو أشبه اليوم بمريض موجود في العناية الفائقة.
وهنا تضيف المصادر انه ليس خافياً ان رئيس المجلس يقف إلى جانب حليفه سليمان فرنجية المعارض لاستئثار التيار الوطني الحر بالحصة المارونية، وهو يجاهر بهذه المعارضة من خلال إعلانه بأنه لن يسكت على أي تعيينات من هذا النوع، لا بل ذهب إلى أبعد من ذلك من خلال ربطه مسألة الاستمرار في المشاركة بالحكومة بالمسار الذي ستسلكه هذه التعيينات في جلسة الخميس المقبل.
وحول إمكانية ان تنفجر الحكومة من الداخل ونعود إلى دائرة الاشتباك السياسي، تؤكد المصادر استحالة الوصول إلى مرحلة الاطاحة بالحكومة، من قبل أي طرف سياسي كان، وذلك لاعتبارات داخلية وخارجية، بالإضافة إلى ان اجتياح فيروس كورونا العالم يمنع على أي طرف مجرّد التفكير في إسقاط الحكومة في هذه المرحلة.
وترى المصادر ان الساعات المقبلة ستعج بالاتصالات والمشاورات في سبيل تذليل العقبات التي تعترض سبيل هذه التعيينات، مع ان المعطيات المتوافرة تؤكد بأن التعيينات المتبقية لم تعد جوهرية وانه بالإمكان حلحلتها بعد ان تمّ الاتفاق على ان يكون كل الأشخاص المنوي تعيينهم جدداً، وان التوزيعات التي تمت ترضي كل الأطراف الموجودة في الحكومة، والتي يُفترض بها ان ترسل أكثر من اسم إلى وزير المال لكي يُصار إلى غربلتها تمهيداً لتقديم ثلاث سير ذاتية عن كل منصب إلى مجلس الوزراء ليختار اسماً منها، وفي حال أقر مجلس الوزراء الخميس هذه التعيينات تكون الحكومة قد اجتازت مطباً قوياً كاد ان يمزقها من الداخل.