على وقع حالة الإستعصاء المحلية على مستوى تأليف الحكومة العتيدة، بالتزامن مع إقتراب موعد الإعلان عن عدم القدرة على الإستمرار في سياسة الدعم بشكلها الحالي، الأمر الذي ينذر بحصول فوضى عارمة، هناك مسار آخر يُرسم على مستوى المنطقة قد يقود إلى إنفراجٍ في وقت قريب، عنوانه الأساسي المفاوضات في فيينا حول الإتفاق النووي الإيراني، بالإضافة إلى المفاوضات الإيرانية السعودية التي تشير بعض الأوساط إلى أنها قطعت شوطاً هاماً.
وفي حين يبدو أن البلاد تسير في سباق محموم ومحفوف بالمخاطر بين المسارين، فإنّ فرص التوصّل إلى تسوية ربما باتت أكبر من أيّ وقت مضى، لا سيما أن أغلب الأفرقاء الأساسيين كانوا يؤكّدون على الترابط بين الساحتين المحلية والإقليمية، وبالتالي أيّ تحويل إيجابي في الثانية من المفترض أن ينعكس على الأولى.
في هذا السياق، تنطلق مصادر سياسية مواكبة، عبر "النشرة"، من التقدير الإسرائيلي الذي صدر في الأيام الماضية عن قرب التوصل إلى إتفاق بين واشنطن وطهران، بالتزامن مع المواقف الإيجابيّة الصادرة عن الجانبين للتأكيد بأن مسار التسوية يتقدّم في المرحلة الراهنة، بدليل المواقف التي رافقت زيارة وكيل وزير الخارجية الأميركيّة للشؤون السياسية ديفيد هيل إلى لبنان، والتي أوحت بأن الإدارة الأميركية الحاليّة بعهد الرئيس جو بايدن لم تعد متشدّدة بالنسبة إلى الملفّ المحلي.
وفي حين تشير هذه المصادر إلى أنّ الأساس في لبنان لا يتوقف عند الموقف الأميركي بل يشمل أيضاً السعودي، نظراً إلى أن مختلف المعطيات كانت تؤكد بأن رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري لن يقدم على أيّ خطوة ما لم يحصل على الضوء الأخضر من الرياض، تعتبر أنّ ما تم الكشف عنه على مستوى الإتصالات السعوديّة الإيرانيّة مؤخراً يمكن البناء عليه، لا سيما أنّ التسريبات حدّدت بأن المباحثات شملت ملفّين أساسيين هما اليمن ولبنان.
من وجهة نظر المصادر نفسها، لدى كل من طهران والرياض مصالحهما في البلدين وقدرتهما بالتأثير على نطاق واسع، لكنّ مع توجّه مختلف يكمن بأن السعودية ترى أنّ اليمن هو أولويّة بالنسبة لها، نظراً إلى أنها تعتبر هذه الدولة الحديقة الخلفيّة بالنسبة لها، بينما إيران لديها مصلحة في إحداث خرق على المستوى اللبناني، بسبب المخاطر التي تشكّلها الضغوط الإقتصاديّة على "حزب الله"، الذي يعتبر أقوى اللاعبين في هذه الساحة اليوم، وبالتالي إمكانية التساهل المتبادل بين الساحتين كبيرة.
بالعودة إلى أساس مسار المفاوضات السعوديّة الإيرانيّة، تذكر أوساط سياسية متابعة، عبر "النشرة"، بأن الجانب الإيراني كان منذ فترة طويلة يطرح هذا الأمر، أيّ الحوار الإقليمي لمعالجة مختلف الملفّات العالقة، وتشير إلى أنّ ذلك لا ينفصل عن الدعوة الّتي كان وجهها أمين عام "حزب الله" السيّد حسن نصرالله في خطابه في الحفل التأبيني الّذي أقيم للشيخ أحمد الزين، لكن الرياض هي الّتي كانت ترفض هذا التوجّه، خصوصاً في ظلّ رئاسة دونالد ترامب.
على هذا الصعيد، تكشف هذه الأوساط أن اللقاء في العاصمة العراقية بغداد، حيث يتردد الجانبان في تأكيده بشكل رسمي من دون نفيه بالمطلق، سبقته مجموعة من اللقاءات على المستوى الأمني، بالتزامن مع لقاءات أخرى كانت تجري بين إيران ودولة الإمارات العربيّة المتحدة، وتشير إلى أنّ الهدف الأساسي منها هو مواكبة التطورات القائمة على مستوى مفاوضات فيينا، خصوصاً أن الرياض لم تعد هي الجانب الأقوى في المعادلة.
وتلفت الأوساط نفسها إلى أن واشنطن سبق لها أن ذهبت إلى مجموعة من الخطوات التي قد تعتبر سلبية، منها إعادة فتح ملف مقتل الصحافي جمال خاشقجي في قتصلية بلاده في تركيا، وحظر السلاح الهجومي عن السعوديّة، بالإضافة إلى إزالة حركة "أنصار الله" اليمنيّة من قوائم الإرهاب، وتضيف: "هذا الأمر إذا ما ربط بقرب العودة إلى الإتفاق النووي، يعني أنّ إيران ستكون هي الجانب الأقوى في المعادلة الإقليميّة، ما يفرض على الرياض التحرك سريعاً".
في المحصّلة، هو مسار جديد يرسم على مستوى المنطقة، قد يؤدي في وقت قريب إلى إنفراج على الساحتين اليمنية واللبنانية، إلا أنّ هذا لا يلغي أن إحتمالات الفشل لا تزال قائمة طالما لم يعلن عن الإتفاق بشكل نهائي، خصوصاً أن هناك جهات إقليمية ستكون متضررة، أبرزها إسرائيل التي تنظر بعين الريبة إلى أيّ إتفاق أميركي إيراني جديد.