تظهر كلّ المؤشرات والوقائع انّ انتفاضة المقدسيين الأبطال، المستمرة بزخم الحضور الشعبي في المواجهات مع قوات الاحتلال في المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وباب العمود، قد كسرت إرادة المحتلّ الصهيوني، وانتصرت عليه بأن اجبرته على التراجع، في انتصار جديد مماثل لانتصار المقدسيين بإزالة البوابات الإلكترونية التي حاول الاحتلال تثبيتها علي مداخل المسجد الأقصى عام 2017.. بشائر هذا الانتصار الجديد إنما عكسه قرار المحكمة العليا «الإسرائيلية» تأجيل جلسة البت بقرار طرد العائلات الفلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح، اثر مسارعة رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو إلى عقد اجتماع مع المسؤولين الأمنيين خصص للبحث في سبل احتواء الموقف والتهدئة، خوفاً من انفلات زمام الأمور واتساع الانتفاضة لتشمل كلّ فلسطين المحتلة، ويأتي هذا القرار بعد تزايد الضغط الدولي، لا سيما الأميركي، لدفع الحكومة «الإسرائيلية» لوقف التصعيد والتراجع عن قرارها المذكور آنفاً..
على أنّ هذا الانتصار،، إنما يعود إلى الإنجازات والنجاحات التي حققتها الانتفاضة على مدى الأيام الماضية، والتي تؤدّي إلى تعزيز ثقة أهالي القدس بقدرتهم على إحباط ايّ خطط «إسرائيلية» في المستقبل لطردهم من منازلهم ومدينتهم المقدسة… لكن ما هي أهمّ وأبرز هذه الإنجازات التي حققتها انتفاضة القدس، الى جانب إجبار سلطات الاحتلال على التراجع وتأجيل جلسة البتّ بقضية عائلات الشيخ جراح:
أولاً، النجاح في منع العدو من فرض سيطرته على باب العمود وإخلاء المسجد الأقصى من المدافعين عنه، وتنفيذ إنذاراته لطرد عشرات العائلات من منازلهم في الشيخ جراح، واضطراره إلى إخلاء ايّ تواجد لمسؤولين صهاينة ومستوطنين من الحي…
ثانياً، تمكن شباب الانتفاضة المقدسية من استدراج قوات الاحتلال إلى معركة استنزاف تقوم على الكر والفر في مواجهات مستمرة ليلاً ونهاراً مما أنهكها وأظهرها عاجزة وفاقدة القدرة على فرض سيطرتها على أحياء القدس الشرقية، التي وصفها أحد المراسلين بأنها باتت هذه الأيام أشبه بالمحررة من وجود الاحتلال «الإسرائيلي»…
ثالثاً، إعادة التأكيد بانّ إرادة المقاومة لدى الشعب الفلسطيني إنما هي أقوى من آلة الإرهاب والقمع الصهيونية، وانّ هذه الإرادة المقاومة تثبت يوماً بعد يوم أنها إرادة لا تنكسر وأنها قادرة على كسر إرادة المحتلّ ومنعه من تحقيق مخططاته في تهويد أحياء القدس القديمة ومقدساتها، وحماية هويتها العربية من خلال عدم السماح للعدو بتكرار نكبة عام 1948، وبالتالي تثبيت الوجود العربي في أحياء القدس، الذي يشكل الضمانة للحفاظ على عروبة المدينة، أرضاً ومقدسات، وعاصمة أبدية لفلسطين… والأمة.
رابعاً، إثبات انّ السبيل الوحيد لتحقيق الوحدة الوطنية الحقيقية، وإنهاء حالة الانقسام والصراعات الثانوية، إنما يكون عبر تأجيج الانتفاضة والمقاومة ضدّ الاحتلال، الخطر الداهم الذي يهدّد الوجود والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه فلسطين..
خامساً، إعادة الروح للقضية الفلسطينية وتصويب البوصلة نحو الصراع الرئيسي مع العدو الصهيوني، ركيزة الاستعمار الأميركي الغربي في المنطقة، وإسقاط المخطط الأميركي الصهيوني العربي الرجعي من وراء تفجير الربيع العربي، الذي هدف إلى اعادة تركيب ورسم خارطة المنطقة، بما يضمن إخضاعها بالكامل للهيمنة الاستعمارية في إطار سايكس بيكو جديد، لتصفية القضية الفلسطينية عبر فرض خطة القرن… فانتفاضة القدس أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمامات العربية والإقليمية والدولية، وباتت محور المواقف الرسمية والشعبية، واستنهضت الرأي العام العربي والإسلامي والدولي لدعم نضال الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال ومشاريعه الاستيطانية التوسعة والتي تتركز هذه الأيام في عمليات التطهير العرقي في القدس المحتلة والتي كانت سبباً في إشعال انتفاضة المقدسيين الجديدة…
سادساً، تأكيد جديد بأنّ الطريق لتحرير الأرض وحماية عروبة فلسطين، وتحقيق تطلعات وآمال الشعب الفلسطيني باستعادة حقوقه كاملة في وطنه، إنما هو عبر سلوك نهج وخيار الانتفاضة والمقاومة الشعبية المسلحة التي تتجلى اليوم بأبهى صورها بانتفاضة القدس والعمليات الفدائية البطولية لأبناء الضفة ضدّ جنود العدو وعتاة المستوطنين الإرهابيين، وفي المقاومة المسلحة في قطاع غزة التي نجحت في فرض معادلات الردع في مواجهة الاحتلال وتشكيل سند قوي لانتفاضة المقدسيين، ورسم معادلة جديدة لحماية صمود أبناء القدس في منازلهم ومنع تهجيرهم…
سابعاً، البرهان بانّ حماية فلسطين وعاصمتها القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، ووضع حدّ لعمليات الاستيطان والسطو على أراضي الفلسطينيين لفرض سياسات الأمر الواقع، بتهويد الأرض، لا يمكن أن يتحقق عبر توقيع الاتفاقيات مع هذا العدو ومحاولة استرضائه للقبول بتسوية تقضي بالاعتراف المقدم بوجوده غير الشرعي على أكثر من 80 بالمئة من فلسطين، مقابل ان يوافق على قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.. لقد تبيّن بالتجربة انّ اتفاقيات أوسلو وكامب ديفيد ووادي عربة وتوقيع اتفاقيات الاعتراف بـ «إسرائيل» من قبل بعض الحكومات العربية لم يقنع الكيان الصهيوني بالجنوح نحو التسوية والقبول بالتخلي عن استكمال مخططه بالاستيلاء على كلّ أرض فلسطين التاريخية عبر مواصلة عمليات الاستيطان والتهديد في القدس والضفة الغربية، بل بالعكس فقد أدّت هذه الاتفاقيات إلى زيادة العدو تعنّتاً وعدواناً وزيادة في إقامة المشاريع الاستيطانية بغطاء المفاوضات والاتفاقيات التي استخدمها مظلة لتحقيق مخططاته لتصفية القضية الفلسطينية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وحرمانه منها… واليوم أثبت تجدّد الانتفاضة والتفاف الشعب الفلسطيني حولها في كلّ أماكن تواجده، مسنودة بالمقاومة الشعبية المسلحة في قطاع غزة، محور المقاومة المتنامي قوة وقدرة، أثبت أنها هي وحدها السبيل لردع الاحتلال ومنعه من تنفيذ مخططاته، وبالتالي حماية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، واستطراداً تأكيد أنها السبيل لإعادة بناء حركة التحرر الوطني الفلسطيني على أساس استراتيجية الانتفاضة والمقاومة الشعبية والمسلحة لتحرير فلسطين وعودة أبنائها إليها، واعتبار ذلك هو الأولوية التي تتقدّم على ايّ مسألة أخرى، مثل إجراء انتخابات تحت الاحتلال، انتخابات لن تقود سوى إلى زيادة الصراعات وحدة الخلافات، وتوفير الغطاء لاستمرار اتفاق أوسلو الذي من المفترض العمل على التخلص منه، ومن نتائجه الخطيرة، لمصلحة استعادة منظمة التحرير كاطار وطني تحرري يوحد القوى والطاقات الوطنية الفلسطينية على أساس التزام نهج وخيار المقاومة الشعبية المسلحة، التي أثبتت تجارب الشعوب، من فيتنام إلى الجزائر والعراق ولبنان إلخ… انها هي السبيل لتحرير الأرض ودحر الاحتلال والمستعمر، واستعادة الحقوق بدون قيد ولا شرط..