في ذروة الحصار الأميركي على لبنان، ودخول "اسرائيل" وتهديداتها بقوّة على خطّ هذا الحصار ضدّ حزب الله، اعتذر الرئيس المكلّف سعد الحريري عن تشكيل الحكومة ما فتح ابواب البلد على مزيد من الإحتمالات والتداعيات السّاخنة، خصوصا في أوج حراك "اسرائيلي" مع دوائر القرار في واشنطن وتل ابيب للدّفع نحو استصدار قرار أممي يقضي بإخضاع لبنان لوصاية دوليّة، و"توسيع" صلاحيّات "اليونفيل"- وهو ما لفت اليه اكثر من تقرير غربي،وواكبته مصادر صحافية لبنانية، اكّدت مرّة اخرى، انشاء غرف عمليّات في السفّارتَين الأميركية والفرنسية ببيروت منذ مطلع الشهر الجاري، باشرت تنسيقا ميدانيّا على مدار الساعة، مع مسؤولين لبنانيين يدورون في الفلك الأميركي، لهم "كارتيلاتهم" المختصّة بالمحروقات والغذاء والدّواء. وكشفت المصادر انّ الحراك "الإسرائيلي" مع الاميركيين والفرنسيين ودول خليجيّة، تمحور على منع ايّ مساعدة دولية للبنان، وهو ما اقرّت به صحيفة "معاريف" العبريّة يوم الجمعة الماضي، حيث كشفت انّ "اسرائيل" طلبت من كلّ اصدقائها ان يمتنعوا عن تحويل حتى دولار واحد الى لبنان".
"ألهدف من الآن وصاعدا حيال ملعب العدوّ، هو اتّباع سياسة الإنهاك- التآكل البطيء، اي الخوض في الجيل الرابع من الحرب بعدما تبيّن انّ اسلوب الحروب التقليديّة غير مُجدٍ مع العدوّ".. هذا ما قاله حرفيّا البروفيسور ماكس مانوارينج -خبير الإستراتيجيّة العسكريّة في معهد الدّراسات التابع لكليّة الحرب الأميركية، في 1-12-2018 في محاضرة جرت في "اسرائيل" ضمّت كبار الضبّاط في حلف النّاتو والجيش الإسرائيلي.. وقتذاك، بدت الخيبة والقلق مبرّرتَين في اروقة تل ابيب وواشنطن وحلف الناتو والدول التي تدور في فلكهم، بعدما ظهر بوضوح انتصار سورية ومحور المقاومة على الحرب الكونيّة التي فرضوها واداروها بإتقان على الأرض السوريّة، ونسفت القيادة السوريّة مع حلفائها السيناريو المعادي الضخم.. مانوارينج اردف حينها قائلا"الهدف القادم سيكون زعزعة الإستقرار في الدولة –العدوّ لإرغامه على الرّضوخ لإرادتنا، وهذه الزعزعة يُنفّذها أناس من هذه الدولة، ونحن عبرهم نستطيع التحكّم بها، وساعتئذٍ سوف يستيقظ عدوُّك ميتا".
هذا تماما ما يحصل في دول محور المقاومة، وبالأخصّ في لبنان-حيث يتواجد "العدوّ الشّرس" لإسرائيل.. عقب شهور طويلة من الحصار الأميركي المطبق والفعلي على هذا البلد- بعد التّهيئة التدريجية للفوضى التي بدأت منذ تشرين الأول الأول عام 2019 تحت مسمّى "ثورة 17 تشرين"، وحيث ادارتها واشنطن بالتزامن في العراق حيث "العدوّ الذي كسر اداتها الدّموية "داعش" ونسف دولتها المزعومة، والمعني هو الحشد الشعبي.. تعوّل واشنطن وحلفاؤها على انهاك الشعب اللبناني، وبشكل خاصّ بيئة المقاومة، لتمرير السيناريو ضدّ حزب الله.. " الغذاء مقابل السّلاح ".. وتحديدا الصواريخ الدقيقة التي تُرعب "اسرائيل".
الكلام تزداد وتيرته عن اتجاه ل"توسيع" صلاحيّات اليونفيل في لبنان، والعمل لا يقتصر على تفويض قوّاتها حقّ المطاردة والتفتيش ضمن نطاق عملها وحسب..بل بشمول مهماتها المنافذ الحدودية مع سورية، من دون استثناء المرفأ ومطار بيروت.. وعليه، لم يكن صدفة في هذا التوقيت صدور توصية لجنة الدفاع والقوّات المسلّحة في البرلمان الفرنسي، بإرسال قوات دوليّة الى لبنان بشكل طارئ، بزعم "المساعدات الإنسانية"، تحت سلطة الأمم المتحدة.
ولم يكن صدفة ايضا ان يتزامن هذا التهويل مع آخر "اسرائيلي" بقرب "الحرب الإسرائيليّة الثالثة" على لبنان، واعتبار نشوبها" مجرّد مسألة وقت"- وفق ما نقل موقع "واللا" العبري عن مسؤول امني "اسرائيلي" وصفه ب"رفيع المستوى" منذ ايّام.. وسط توجيه كمّ من بيانات التهديد والوعيد الإسرائيليّة ضدّ لبنان وحزب الله، وكأنّ الحرب المزعومة واقعةٌ غدا!
وبالتالي، اسئلة كبيرة باتت تدور في رؤوس الكثيرين: "هل تندرج هذه التهديدات ضدّ لبنان وحزب الله في سياق التهويل حصرا –ربطا بيقين "اسرائيل" بخطورة فتح ايّ مواجهة عسكرية مع الحزب، وهي التي تلقّت على ايدي مقاتليه في مثل هذه الأيام من العام 2006 هزيمة مدوّية.. حينذاك، كانت عدّة وعتاد حزب الله لا تُقارن بما وصلت اليه اليوم، وترسانته الصّاروخية باتت اضعاف ما كانت عليه منذ 15 عاما.. فلماذا تخاطر "اسرائيل" بشنّ حرب محفوفة بالمخاطرضدّ الحزب، طالما انها تعوّل على انهيار ملعبه وبيئته جرّاء الحصار المطبق دون تكلفة اطلاق رصاصة واحدة" ؟
او انّ الأمر ابعد من ذلك، إذ ترى "اسرائيل" في ما يحصل في لبنان "فرصة ذهبيّة" لا يمكن تفويتها للإنقضاض على "عدوّها" مع الأخذ بعين الإعتبار رغبة الحكومة الإسرائيلية الجديدة ورئيسها ب"اثبات قدراتها" امام الداخل والخارج؟.. وعليه، يجب الرّكون الى جدّية التهديدات "الإسرائيلية" تجاه لبنان في لحظة مفصليّة يمرّ بها هذا البلد؟
ام تكتفي "اسرائيل" بالدّفع قُدما في تأليب حلفائها الإقليميين على تشديد الحصار على لبنان، والضغط لإرسال قوّات اطلسيّة تُفضي في نهاية الأمر الى نزع سلاحه، وصواريخه الدقيقة ،وهذا ما ورد في تقرير مركز القدس للشؤون الأمنيّة والإستراتيجيّة الأسبوع الماضي، نشره المحلّل الخاص لشؤون الشرق الاوسط في المركز جاك نيربا- الذي شغل مهمّة مستشار السياسة الخارجية لإسحاق رابين، ونائب رئيس تقييم الإستخبارات العسكرية "الإسرائيلية".
وجاء في توصية نيربا، ضرورة اخضاع لبنان لوصاية دوليّة تستولي على سلطات رئيسه والحكومة اللبنانية الحالية بقرار من مجلس الأمن الدوليّ، ووضع مفوّض سام لحكم لبنان لفترة محدّدة من الزّمن، على ان يبادر هذا المفوّض السامي الى"انشاء حكومة تكنوقراط مختلفة ونظام حكم، يساعده في ذلك وجود عسكري ضخم يفرض نزع سلاح حزب الله".
لربما غفل نيربا انّ توصيته مجرّد امنيات، وتناسى انّ الثنائي الأميركي- الفرنسي-رأسَا حربة حصار لبنان اليوم، سبق ودفع ثمنا كبيرا جرّاء ارسال قوات اطلسية الى هذا البلد بُعيد الإجتياح الإسرائيلي للبنان صيف1982، عندما استقبلت واشنطن وباريس مئات التوابيت التي حوت جثث جنودهم في هذه القوات، إثر ضربة مزدوجة مدويّة استهدفت بالتزامن قاعدة المارينز وقيادة كتيبة المظليّين الفرنسيين في بيروت صباح 23 تشرين الأول 1983، وقضى بالتفجير المزدوج اكثر من 450 قتيلا – بينهم 58 جنديّا فرنسيّا.. فأيُّ قوات اطلسيّة يُزمع الثنائي الأميركي-الفرنسي ارسالها الى لبنان؟ وهل يجرؤ الفرنسيون ومن خلفهم على توسيع مهام اليونيفيل وتفويضها حقّ المطاردة والتفتيش في نطاق عملها لتُصبح بمثابة قوات احتلال، وبالتالي تعريض حياة جنودهم للخطر؟
في المقابل، لا ينبغي المرور على خطورة ما آلت اليه الأوضاع في لبنان جرّاء الحصار الأميركي، وتوقُّع كلّ الإحتمالات، خصوصا التخوُّف من سيناريو امني يتمّ الإعداد له مع اقتراب الذكرى الأولى لتفجير مرفأ بيروت- وفق ما المحت مصادر صحفيّة، عادت وأكدت على حراك تركي خطير يجري على قدم وساق في عاصمة الشمال بتفويض اميركي، وكشفت-بناء على معلومات تقارير "موثوقة"، عن تنسيق تركي-اسرائيلي نشط يختصّ بالأوضاع اللبنانية!
ويبدو انّ "غليان" الساحة اللبنانية، يتجاوز حدود لبنان نحو الإقليم.. فبالتوازي مع ما كشفته صحيفة "يديعوت احرونوت" العبريّة اليوم الجمعة، من انّ "اسرائيل" بدأت عمليّا استعداداتها لمهاجمة منشأت نووية ايرانيّة، وفي مقابل الإنسحاب الأميركي من افغانستان، ونقل القوات الأميركية وتجميعها في الأردن، "يبدو انه يتمّ الإعداد لحدث كبير في المنطقة"..
يكشف مصدرفي موقع "ارمادني ماغازين" السلوفاكي، عن حدث كبير مُرتقب في لبنان وسورية تحديدا..لتتزامن معلوماته مع صدور تقرير استخباري عن معهد واشنطن للدراسات في الثاني من الشهر الجاري، وأعدّه مايكل نايتس -المتخصّص بالشؤون العسكرية والأمنية للعراق وايران ودول الخليج، توقّع فيه ازدياد الهجمات على القواعد العسكريّة الأميركية الى ما يقارب ال 50 هجوما وسقوط قتلى اميركيين.
وإذ كشف انّ الإستخبارات الاميركية حصلت على معلومات وصفها ب "الحسّاسة جدا"، تفيد بأنّ حملة عسكريّة يتمّ التحضير لها في دول "المحور المقابل"، رجّح نايتس اقتراب مواجهة كبرى تشمل اليمن، العراق، سورية ولبنان..على وقع ترجيح مصدر في الصحيفة العسكرية البلغاريّة، بقرب انجاز ميداني كبير ومباغت في الشمال السوري، يواكبه "حدث هام جدا" في لبنان يقلب الطاولة في وجه الحصار الأميركي ..دون الدخول بالتفاصيل!