بات واضحاً انّ المنطقة تظهر وكأنها تدفع غصباً بيد تحالف العدوان الفاشل في مواجهة محور المقاومة، تدفع إلى انفجار يرغبه محور العدوان ليحجب إخفاقه ويمنع الصامد المدافع عن نفسه وعن حقوقه من استثمار إنجازاته، وانتصاراته ويبدو هنا أنّ الشأن في إيران ولبنان هما الأشدّ تركيزاً من قبل أميركا وأتباعها بعد ان فعلت ما فعلت في سورية والعراق حتى كادت ان تستنفد بنك أهدافها بعد الفشل.
وفي دراسة تحليلية لواقع المواجهة على الساحتين الإيرانية واللبنانية يظهر أنّ أميركا تتصرف هي وأذيالها وشركائها في العدوان وكأن الوقت على مشارف النفاد وان عليها ان تعمل شيئا يعوّض ولو جزئيا عن اخفاقاتها وفي ذلك نسجل:
في مواجهة إيران يسجل التحرش البحري الذي يُضاف الى الحرب الاقتصادية والتهويل الإعلامي الذي يصل الى حدّ الحرب النفسية وشيطنة إيران واظهارها وكأنها المسؤولة عن كل شر وسوء في المعمورة كلها، وفي هذا الإطار يوضع ما يجري في الخليج، وما يتصل به تحت عنوان ما يسمّى «حرب السفن التجارية» وحواجز الممرات المائية التي ترمي في نهاية المطاف الى قطع الطريق على إيران، هي تتأهّب الى الدخول في مرحلة جديدة من أدائها السياسي مع بدء ولاية السيد إبراهيم رئيسي التي يعوّل عليها الإيرانيون وحلفاؤهم لتكون اكثر حزماً في التخاطب مع الغرب، وأكثر مرونة في بناء الجسور مع الإقليم وأكثر سهراً على الوضع الداخلي الإيراني أمناً واقتصاداً بشكل خاص واكثر اعمالا للعلاقات مع الحلفاء.
كل ما تريده أميركا مع مجموعتها الدولية والإقليمية الآن هو ان تجهض زخم اندفاع إيران الجديد قبل انطلاقه، وان تمنع الرئيس رئيسي من الوفاء بالتزاماته ووعوده التي قطعها في معركته الانتخابية وان تجبر إيران على التراخي في الملف النووي بالشكل الذي يظهر انتصاراً أميركياً يستجيب للمطالب “الإسرائيلية” وان تشغل إيران عن علاقاتها وأدائها الإقليمي.
بيد انّ الميدان، وطبيعة المكون الإيراني المعني بالمواجهة لا يوحي بإمكان تحقيق أميركا أهدافها بالهين اليسير كما ان الوقائع ومعطيات مسرح العمليات لا توحي بان حربا على إيران ممكن ان تقع، كما لا توحي بأنّ الضغوط المركبة والمتنوّعة حتى اللحظة يمكن ان تعدل بشكل جوهري مسار الأمور خلافاً لما يراه محور المقاومة عامة وإيران بشكل خاص. وقد تكون مناوشات محدودة جدا لكنها لن تكون حربا شاملة او واسعة.
اما في لبنان فيبدو انّ المخطط الذي كان يعوّل كثيراً على “خطة بومبيو” مع ما اشتمله تنفيذها مؤخراً من “احتفالية” يوم تفجير المرفأ التي أخرجت عن مسارها الإنساني والعدلي وزجّت في زواريب السياسة والأمن والتضليل الإعلامي من أجل استثمارها ضدّ محور المقاومة عامة وإيران وحزب الله خاصة، ورغم ما استعمل من وسائل غير مشروعة في الأمن والإعلام، يبدو انّ المخطط فشل في تحقيق المبتغى رغم ما أنفق من جهد ومال وما زجّ في الهجوم من وسائل تزويرية ولا أخلاقية ولكن هذا لا يعني ان الهجوم الافترائي توقف او سيتوقف في الأيام المقبلة، خاصة ان المخطط ينظر الى لبنان نظرة خاصة يبنيها على عناوين ثلاثة: وجود المقاومة، اهمية لبنان في الاستراتيجية الإيرانية. أهمية لبنان في الاقليم.
وأخيرا يبدو انّ الزجّ بالعامل “الإسرائيلي” عبر الجنوب لم يعوّض الفشل أيضاً خاصة انّ المقاومة أدركت، من اللحظات الأولى أهداف المخطط ومسار أعماله العدوانية وطبيعتها، لذلك رأينا كيف أنّ “أحداث يوم المرفأ” مصحوبة بالعدوان الجوي والمدفعي “الإسرائيلي” على الجنوب بقيت تحت السيطرة في ظل امتناع المقاومة عن الانزلاق جنوباً رغم الصواريخ المشبوهة في توقيتها وطبيعتها والجهات التي أطلقتها والتي أعطت “إسرائيل” مبرّراً لعدوانها وفي جو سهر الجيش وعمله الواعي في منع التدهور في الداخل، ولذلك يمكننا ان نسجل ان “الاحتفال” بسنوية يوم انفجار/ تفجير المرفأ الذي شاءه المخطط يوماً لتفجير لبنان من الجنوب الى العاصمة مر دون ان يحقق للأعداء والعملاء أهدافهم الموضوعة او المعلقة على هذا التاريخ.
بيد انّ فشلهم لا يعني اننا في لبنان اجتزنا حقل الألغام والمخاطر المحدقة بنا خاصة مع استمرار الفراغ السياسي والانهيار المالي والاقتصادي وفي ظل الإصرار الأميركي على امتلاك ورقة لبنان استقلالاً والضغط بها على إيران وعلى المقاومة التي ترى في لبنان أحد المكونات الرئيسية لمحور المقاومة الذي حقق ما تقدّم ذكره من إنجازات كان حزب الله شريكاً رئيسياً في صنعها.
على ضوء ما تقدم نعود الى طرح السؤال حول الحرب ونسأل هل انّ حرباً في المنطقة ستندلع قريباً؟ وهنا ومع الإصرار “الإسرائيلي” على القول بأنّ مسألة الحرب “الإسرائيلية” على لبنان باتت مسألة وقت فقط ورغم تصاعد خطر المواجهة بحراً في سياق ما يُسمّى “حرب السفن التجارية” فإننا لا نزال عند قولنا السابق بانّ الحرب محتملة كمبدأ لدى “إسرائيل” لكنها مستبعدة اليوم ظرفاً وواقعاً، خاصة أنّ محور المقاومة المستعد دائما للدفاع عن نفسه في أيّ ظرف كان، ان هذا المحور لديه من الأولويات التي لا تندرج الحرب في طليعتها اختياراً إنما هي أمر قائم في الذهن يطرح على الطاولة اضطراراً. وبهذا ندخل الأشهر الخمسة التي تفصلنا عن نهاية العام وهي أشهر حرجة جداً وعلينا فيها حسن التصرف وحسن البرمجة وحسن الاختيار والحذر والتحمّل قبل حلول المواجهة التي سيكون لا بدّ منها ولكن بتوقيت المقاومة.