حوّل الإنهيار المالي والإقتصادي، الذي يشهده لبنان منذ أكثر من عامين، اللبنانيين إلى يد عاملة رخيصة، حيث باتت الرواتب في الداخل لا تتجاوز، في غالبية الأحيان، 150 دولار أميركي، بينما الحد الأدنى للأجور أقل من 50 دولار أميركي، بالرغم من الإرتفاع المستمر في أسعار مختلف السلع والخدمات.
هذا الواقع على المستوى المحلّي كان له تداعياته على المستوى الخارجي، حيث باتت النظرة إلى اللبنانيين كيد عاملة رخيصة هي العنوان الأبرز، الأمر الذي دفع بالعديد من المؤسسات إلى العمل على إستقطابهم، لما لديهم من إمكانات وخبرة.
في هذا السياق، تشير مصادر متابعة لهذا الملف، عبر "النشرة"، إلى أن هذا الأمر يظهر بشكل أساسي في الدول العربيّة والقارة الافريقيّة، حيث أنّ غالبيّة المؤسسات، التي تتولى التواصل مع المواطنين في الداخل، تعود ملكيتها إلى لبنانيين، يعتبرون أنهم يستطيعون أن يقدموا عروضاً أفضل من تلك التي كانوا يقدّمونها في الماضي.
وتلفت هذه المصادر إلى أن راتب الموظف العادي في أحد المطاعم في الخليج بات لا يتخطى 1500 دولار أميركي، بينما في الماضي كان أضعاف ذلك ويشمل حوافز تتمثل بتأمين المسكن والطعام، وتوضح أنّ هذا الواقع يعود بالدرجة الأولى إلى إنهيار قيمة الرواتب والأجور في لبنان، حيث بات العامل يقبل بأي عرض من الممكن أن يقدّم إليه، حتى ولو كان يشكل نصف الراتب الذي كان يحظى به عندما كان سعر صرف الدولار عند حدود 1500 ليرة لبنانية.
خلال الأشهر الماضية، ارتفعت أعداد المهاجرين نحو القارة السمراء، لا سيما من أبناء القرى والبلدات، نظراً إلى العروض التي تقدم لهم من قبل مؤسسات تعود إلى لبنانيين أيضاً، لكن المشكلة تكمن بالرواتب المتدنية جداً، بالإضافة إلى عدم إلتزام بعض أصحاب العمل بالوعود التي يقطعونها قبل السفر.
حول هذا الموضوع، يشير أحد الذين قرروا الذهاب إلى القارة السمراء، قبل أن يبدّل رأيه ويعود إلى لبنان، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنه في الماضي كان الحدّ الأدنى هو بحدود 1200 دولار أميركي، بينما اليوم هناك رواتب لا تتجاوز 600 دولار، إلا أنه يوضح أن المشكلة الأكبر تكمن بعدم الإلتزام بالإتفاقات التي تعقد في لبنان، حيث هناك من يقدم عروضاً تتضمن السكن والطعام، لكن عند الوصول يتبيّن أن المسكن غير لائق أو يتم التخلي عن تأمين الطعام.
ويوضح أنه قرّر العودة بعد أن تبين له، بعد السفر، على أساس أن يحصل على راتب صافٍ يبلغ 800 دولار أميركي يرسله كاملاً إلى لبنان، أن صاحب العمل لم يلتزم بالإتفاق أن يكون الطعام على حسابه، مع العلم أن كلفته هناك مرتفعة، نظراً إلى أن غلاء المعيشة، في بعض الدول، يتخطّى ما هو قائم في لبنان.
بالإضافة إلى ذلك، يكشف عن مشكلة أخرى تتمثل بأن بعض أصحاب العمل لا يؤمنون التغطية الصحية لعمّالهم، بينما الواقع الصحي في بعض دول القارة السمراء لا يحتاج إلى الكثير من الشرح، من دون تجاهل مسألة بطاقة السفر التي باتت لا تؤمن إلا بعد مضي عام ونصف العام على المغادرة.
في هذا الإطار، رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم عباس فواز، وفي حديث لـ"النشرة"، رأى مبالغة في طرح الموضوع، حيث يلفت إلى أن العمالة تتأثر بالعرض والطلب القائم في السوق، ويشير إلى أن اللبناني عندما يسافر إلى افريقيا لا يجب أن يكون كعامل بل كموظف لديه كفاءات محددة، نظراً إلى المنافسة المعدومة بين العامل اللبناني والافريقي.
وفي حين يشير فواز إلى أنه لا يستطيع الدخول في قيمة الرواتب التي تقدّم، لكن الموظف اللبناني الـ"low level" يحصل، من حيث المبدأ، على راتب حوالي 1000 دولار أميركي، بالإضافة إلى الطعام والمسكن، لكنه لا يستطيع أن يجزم بما يحصل عليه الموظف اللبناني بشكل دقيق، لأنّ المسألة تتعلق بالعرض والطلب.
ويوضح فواز أن مشكلة البعض ليست بعدم الإلتزام بما بتم الإتفاق عليه قبل السفر، بل أنّ هناك من يسافر للبحث عن عمل، أي من دون إتفاق مسبق مع أي جهة، وبالتالي في حال لم يجد فرصة عمل مناسبة لا تكون مشكلة أصحاب العمل، ويضيف: "هناك تشويش يحصل حول هذه المسألة، وأصحاب العمل اللبنانيين لديهم الحس الإنساني".
في المحصّلة، أصل المشكلة يعود إلى الواقع الإقتصادي الذي تشهده البلاد، حيث بات هناك من هو مستعد للسفر من أجل راتب كان يحصل عليه في لبنان بكل سهولة، بينما هو اليوم يصنّف في الخارج على أساس أنه يد عاملة رخيصة.